الإسلام والمسيحية ليسا بخير في العراق
• رجال الدين في نزاع مع السياسة
لم تعد الخلافات العاصفة تدور بين أهل الإسلام في العراق كما هي العادة منذ قرون الخلافة الأولى، فقد انشغلت البلاد خلال الأسبوعين الماضيين ببيانات قاسية العبارات من أبرز رؤساء الكنيسة في بغداد، لم تعهدها في السابق، والأحزاب المسيحية تدعو أنصارها «إلى ضبط النفس» تجاه مقام الكاردينال الأعلى الأب لويس ساكو، وهي كذلك عبارات لم تكن مألوفة في المشهد السياسي العراقي، على خلفية تداعيات سحب رئيس الجمهورية مرسوماً صدر قبل 10 أعوام يعترف رسمياً بقرار بابا الفاتيكان تنصيب الأب ساكو رئيساً للكلدان في العالم، مما دفعه إلى توجيه الاتهام للمسيحيين المقربين من إيران، في إفساد علاقة الكنيسة بكبار مسؤولي الدولة، وأن الفصائل المسلحة «تنفق المال» لإحداث انشقاقات عميقة بين كنائس العراق، البلد الذي هاجر فعلياً معظم مسيحييه منذ حرب الثمانينيات مع إيران ولم يبق منهم سوى نحو 300 ألف.
تأتي هذه التسخينات وسط استعدادات متسارعة لانتخاب مجالس المحافظات «الحكومات البلدية» المقررة في ديسمبر المقبل، وتعتبر ممهدة للانتخابات العامة بقدرتها على التنبؤ بأوزان التيارات والأحزاب.
أما في البيت الشيعي، فقد تحولت حادثة الإساءة للقرآن في السويد إلى مناسبة لتقاذف الاتهامات بين المسلمين الشيعة أنفسهم، إذ تباطأ رد فعل الشيعة الموجودين في السلطة إزاء الحادث، بينما تخلص زعيم التيار الصدري من أي حرج وسارع إلى الاحتجاج بنحو انفعالي وأحرق سفارة السويد في بغداد، وراح يصف خصومه الممسكين بالحكم بأنهم قدموا تنازلات أمام «أعداء القرآن»، مما جعل أطرافاً عديدة تحذر من فتنة شيعية، تستخدم قضية القرآن في تصفية الحسابات السياسية القديمة، وخصوصاً حين أنزل الصدر جناحه المسلح «سرايا السلام» في الشارع ليل الأحد ـ الاثنين، واستعرض في قلب بغداد قرب ساحة التحرير، لكن حكومة محمد شياع السوداني حرصت على عدم استفزازه ورافقت سيارات الشرطة عناصر الصدر كنوع من الحماية لهم، وحذرته من حصول احتكاك مع الفصائل الأخرى.
ولم يعد بيت أهل السنة هادئاً أبداً بعد بضعة أعوام من الهدوء النسبي، فكما يحاول حلفاء طهران اللعب على التناقضات المسيحية، فإنهم يثيرون مختلف الانقسامات في المدن ذات الأغلبية السنية، وقد شهد الأسبوع الماضي تصعيداً كبيراً ضد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تمثل بإعلان تحالف سياسي ضخم يجمع كل خصومه تقريباً، بمن فيهم أشد منتقدي إيران الذين بدا أنهم «تعبوا من معاداة طهران ودفع أثمانها الغالية» حسب وصف الأوساط السياسية، التي تقول إن طهران لن تسمح بـ «تغول» أي شخصية سياسية «أكثر من اللازم» سواء تعلق الأمر بمقتدى الصدر أو محمد الحلبوسي أو حتى بكاردينال المسيحيين الكلدان.