بقايا خيال: ماذا بقي من الكويت الأصلية؟
في فبراير 2015 كتب الزميل سامي النصف مقالة بعنوان «كيف تدمر الأوطان في 5 خطوات مضمونة؟!»، وكأنه كان يحاول إسقاط بعضها على الكويت، فقد ذكر فيها أن هناك 5 خطوات مجربة ومضمونة لتدمير الأوطان الآمنة وتفتيتها: أولى هذه الخطوات «أن تتبنى شخصية ذات عقد وأحقاد وطفولة معذبة، وتتيح له فرص الانتقام من المجتمع الذي ظلمه، وتكفل له الوصول لمناصب عليا لتدمير مجتمعه وتفتيته وتحقيق ثروات مليارية». والخطوة الثانية أن «تخلق له منظومات أمنية من الأقارب والعشيرة تسحق أي محاولات انقلابية ضده وتضمن عدم اغتياله»، والخطوة الثالثة من خلال استنزاف موارد الدولة وتدمير اقتصادها، والخطوة الرابعة إثارة النزاعات العرقية والطائفية فيه عبر استقصاد أعراق وديانات وطوائف محددة، حتى لا يكون هناك مجال للعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، أما الخطوة الأخيرة فهي خلق ثورات وغزوات وحروب أهلية ومنظمات شديدة التطرف، قرأتها وأنا أتساءل: أي هذه الخطوات تماثل ما يجري في الكويت؟ وأيها تحققت؟
ضمن مقالة سابقة «علامات اضمحلال الكويت» ذكرت قصة جاسوسية وقعت أحداثها قبل سقوط الاتحاد السوفياتي حول جاسوس روسي عمل لمصلحة الأميركيين، كان يدمر الكفاءات الروسية بتعيين الجامعيين الروس في غير تخصصاتهم، لكي تطول مدة اكتساب الخبرة، ويمنع عن المتخصصين قنوات التدريب ومجالات اكتساب الخبرة قدر الإمكان، وكان يشجع ترقية غير المنتجين، ويمنع ترقية أصحاب الكفاءات، ليبقى في الوظائف العليا والمناصب الرئيسة مسؤولون من كبار السن ومحاربون قدماء وأغبياء تم توظيفهم «بالهبل»، وتساءلت حينها: ألا يحدث هذا لكفاءات كويتية متميزة فضل بعضها الهجرة عن الوطن على العمل في وظائف لا تناسب تخصصاتهم؟
ورغم نجاحي في تلمس واقع مر نعيشه في الكويت منذ عقود، فإنني تلقيت انتقادات حادة على مضمون المقالة ناهيك عن عنوانها، من مجموعة «الله لا يغير علينا» ومن فرقة «احنا أحسن من غيرنا». ولهذه الفئات أقول إن تعبير (خيانة الكويت) لا يقتصر على التجسس ونقل معلومات سرية إلى جهات أخرى معادية، بل يمتد ليخوض أعداؤنا حروباً بالوكالة، فلا يتكبدون خسائر بالأموال والأرواح، فالجاسوسية الحديثة تعمل على تدمير الوطن من الداخل بطريقة (Implosion) دون ضجيج، وما عليك إلا متابعة ما حدث ويحدث في كويتنا من تدمير منظم في معظم- إن لم يكن كل- جوانب حياتنا اليومية التي بتنا نراها رأي العين المجردة.
وإذا كنا نعرف أن كثيراً من الكويتيين المخلصين صرحوا مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام الرسمية بأن هناك أكثر من 150 ألف مزدوج وأكثر من 400 ألف مزور لوثائق الجنسية الكويتية، ورغم ذلك لم تحرك الحكومات الكويتية المتلاحقة ساكناً، تماماً كما تعاملت هذه الحكومات خلال الخمسين سنة الماضية مع فئة المقيمين بصورة غير قانونية، حتى أصبحت كالقنبلة الموقوتة، فما عليك إلا أن تتفحص أسماء نواب سابقين وحاليين لتتأكد من أنهم إما مزورون أو مزدوجون استطاعوا خلال العقود الماضية أن يسنوا قوانين أفرغت الدستور من محتواه، ومن خلال هذه القوانين تمكنوا من تدمير ما تبقى للكويت والكويتيين من تراث، فنجحوا في تدمير التعليم والصحة والاقتصاد والبنية الديموغرافية والبنية التحتية وغيرها من مقومات الدولة الحديثة سعياً نحو القضاء على الكويت وأهلها، والعياذ بالله، ولنا مع قائمة التدمير وقفة جادة إن شاء الله.