إن لكل منهج رسمي أسساً وأهدافاً ينبني عليها، ولا بد أن تكون لهذه الأهداف قواعد عقدية ومعرفية ونفسية واجتماعية ينطلق منها هذا النظام ويستقي من أصولها، فالمنهج التعليمي باختصار هو كل المواثيق والقيم التربوية الرسمية المنظمة التي يتم اعتمادها من السياسات التعليمية المحلية والعالمية، ويعرفها البعض أنها كل الخبرات التي يكتسبها المتعلم تحت توجيه المدرسة، فهي خطة عمل رسمية، مسبقة ومدروسة وقابلة للقياس والتقويم، ومن هذه السياسات التعليمية ما يهدف إلى متطلبات سوق العمل، ومنها ما يلبي متطلبات الحكومة، ومنها ما يلبي رغبات المتعلم، ولكل دولة الحرية في تحديد منهجها الخاص وطرائق تدريسه.

لا أود الخوض في مفهوم المنهج بشكل أوسع وذكر نظرياته ونماذجه المتنوعة، فقد بات تخصصاً بذاته يتفرغ التربويون لدراسته، ولكن يؤسفني أن أقول إن دراسة المناهج التربوية في أغلب الدول العربية صار كالمرور على الأماني والأحلام التي نأمل أن نطبق منها ولو 10٪، لأن تطبيقها يحتاج إلى قرار سيادي علوي. وأما المنهج الخفي أو «غير الصريح»، فهو منهج صامت غير رسمي غير منصوص عليه، فهو يتشكل بحسب الظروف المحيطة بالطالب، وبدون قصد، فلا يمكن إدارته، أو السيطرة عليه أو قياسه، وأحياناً لا يمكن حتى قراءته! هناك ممارسات غير متعمدة، تتشكل بسبب التسيب والإهمال، وغالباً ما تتولد منها تبعات غير محمودة، فمثلاً، المنهج الرسمي يوصي المدرسين بعدم التدخين داخل الحرم المدرسي، لأنهم يعاقبون الطالب الذي يُدخّن داخل المدرسة، ولكن الطلبة يرون أن بعض المدرسين يدخنون داخل المدرسة، وبكل أريحيّة! فهل التدخين يضر الطالب ويفيد المدرس؟! وكذلك المنهج يوصي بالاهتمام بالصحة العامة، ويعلمنا أن «العقل السليم في الجسم السليم»، ولكن للأسف، تُباع في «مقصف» المدرسة أسوأ أنواع الأطعمة! فهل المكسب المادي للمدرسة أهم من صحة الطالب؟!

Ad

وكذلك المنهج يعاقب الطالب على الغش، ويعلمنا «من غشنا فليس منا»، ومع ذلك يفتح الضوء الأخضر لبعض الطلبة للغش وبعلم بعض الإداريين! فهل الغش حرام للذي لا يعرف أحداً؟! وهنا تخرج التساؤلات التي تحيّر الطالب، ويريد أن يجيب عنها بحسب رؤيته، ويقول لنفسه هل المكتوب في اللوائح شكلي ومثالي، وأمنيات نكتبها ونطبقها على المسكين؟! أم هي قيم سامية ومواثيق حقيقية يجب احترامها وتطبيقها على القوي قبل الضعيف؟! من هنا تتشكل الخبرات المختلفة لدى الطالب، ولكن بحسب قراءته للوضع العام.

وأختم بنوع من أنواع المناهج الخفية، التي لا يراد لها أن تكون رسمية، وهو المنهج «الخفي المقصود»، فمثلاً في الانتخابات البرلمانية نرى الحملات التوعوية الرسمية للدولة توجّه الناخبين لاختيار الصالح والأمثل للوطن، وهي نفسها التي تفتح الضوء الأخضر لنواب الخدمات لتعيين أقاربهم! فما المطلوب بالضبط؟!

ملاحظة، إن قراءة المنهج الخفي مهمة، لكنها ليست مبرراً لممارسة الفساد، إذ يقول علماء التربية: «إن المنهج الخفي أقوى تأثيراً من المنهج الرسمي، لأنه الواقع».