إذا ذهب الحمار بأم عمرو

فلا رجعت ولا رجع الحمار

Ad

بيت شعر يُقال عندما يذهب عنك شخص غير مرغوب فيه، وكأنه يقول «روحة بلا رجعة»، أو «إلى حيث ألقتْ رحلَها أمُّ قَشْعَم»، وقد اختلفت الروايات حول هذا البيت، وتعددت عنه القصص حول المقصود منه، ولكن يبدو أن أصله:

لقد ذهب الحمار بأم عمرو

فلا رجعت ولا رجع الحمار

ويبدو أن بيت شعر وراءه حكاية طريفة ذكرها الجاحظ، فقال: «ألّفت كتاباً في نوادر المعلمين وما هم عليه من التغفّل، ثم رَجعت عن ذلك وعزمت على تقطيعه، ولكن حصل أن دخلت يوماً مدينة، فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة، فسلمت عليه فرد عليّ بأحسن رد ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن الكريم، فإذا هو ماهرٌ فيه، ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المعقول وأشعار العرب، فإذا هو كامل الفقه والأدب، فقلت: هذا والله مما يقوّي عزمي على تقطيع الكتاب الذي تحدثت فيه عن غفلة المعلمين».

ويقول الجاحظ: فأخذت أختلف إليه، حتى جئت يوماً لزيارته، فإذا بمكتبه مغلق، ولم أجده، فسألت عنه، فقيل: قد مات له ميت فحزن، وهو جالس الآن في بيته ليتقبل العزاء، فذهبت إلى داره لأُعَزّيه، وطرقت الباب فخرجت إليّ جارية، وقالت: ما تريد؟ قلت: سيدك، فدخلت ثم خرجت، وقالت: بسم الله.

دخلت إليه وإذا به جالس وقد غلب عليه الحزن، فقلت: عظم الله أجرك فيما فقدت، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وكل نفس ذائقة الموت، فعليك بالصبر، ثم سألته: هل المتوفى ولدك؟ قال: لا، فقلت: والدك؟ قال: لا، قلت: أخوك؟ قال: لا، فقلت: إن كانت زوجتك فرحمة الله عليها، وعوّضك الله خيراً منها، رد قائلا: ليست بزوجتي.

عندها سألته وأنا في حيرة: إذاً ما صلة الميت بك؟ قال: حبيبتي، فقلت في نفسي هذه أول المناحس، ثم قلت: سبحان الله النساء كثر، وستجد غيرها بتوفيق من الله ومشيئته، فقال: أو تظن أني رأيتها؟ فقلت في نفسي وهذه منحسة ثانية، فسألته: وكيف عشقت من لم تر؟ فقال: أعلم أني كنت جالساً في هذا المكان، وأنا أنظر من الطاق، إذ رأيت رجلاً عليه بردة وهو يقول:

أيا أم عمرو جزاك الله مكرمة

ردي عليّ فؤادي أينما كانا

لا «تأخذين» فؤادي تلعبين به

فكيف يلعب بالإنسان «إنسانا»؟

يقول الجاحظ: ومضى المعلم يحدثني فقال: فقلت محدثا نفسي: لا بد أن أم عمرو هذه أجمل وأحسن ما في الدنيا حتى يقال فيها هذا الشعر الجميل، فعشقتها، وما إن مضى يومان وإذا بذلك الرجل بعينه يمر وهو يقول:

لقد ذهب الحمار بأم عمرو *** فلا رجعت ولا رجع الحمار

فقال لي المعلم المكلوم: فعلمت أنها ماتت، فحزنت عليها، وأغلقت المكتب، وجلست في الدار أتقبل العزاء، عندها قال الجاحظ للمعلم: يا هذا إني كنت قد ألّفت كتاباً في نوادر معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك قد عزمت على تقطيعه لما رأيت فيك من فصاحة وعلم وأدب، أما الآن فقد قويت عزيمتي على إبقائه، وستكون أنت أول من أبدأ به.

ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.