اسلق المسلوق أكثر!
مَن صوّر للناس وأوهمهم أن مجرد السرعة بإقرار القوانين تعتبر إنجازاً يستحق الفخر والتقدير لم يفعل بنا وبهم وبالكويت خيراً، فأصبح قلق الإنجاز العاجل، وكأنهم مقاولون لا مشرّعون، هو المحرك لهم رغم أن دور مجلس الأمة أساساً هو الرقابة والتشريع، فلا فضل في ذلك، ولا العجلة بالأمر لها نقاط تحتسب في رصيد النائب، فإن كانت الرقابة بالسنوات الأخيرة عوراء ومزاجية وأداة للتصفيات السياسية فأمرنا لله، وليفرغ نوابنا الأفاضل طاقتهم وعقدهم ويلمّعوا أنفسهم فيها ويحققوا أحلام النجومية القديمة، لكن على الأقل ليتميز التشريع بالمهنية والاحترافية الفنية، ولتطبخ القوانين على نار هادئة برويّة وحصافة وبُعد نظر، مع أخذ حقها الكافي من النقاشات الجادة والعميقة والبحث والاستقراء لآثارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعيدة المدى، ودراسة الارتباطات القانونية ذات العلاقة بالقانون الجديد المراد إقراره، فالنواب والوزراء واستجواباتهم راحلون إلى حيث ألقت الانتخابات والاستجوابات، بينما ستبقى مثالب قوانينهم المهلهلة تزعج الخلق أو تعلّقهم بآمال زائفة إلى أن يطويها النسيان أو يأتي بعدهم الأعقل منهم لتعديلها، وهذا بحدّ ذاته إعجاز آخر في ظل الظروف التعليمية والتربوية الراهنة.
ومن جهة أخرى، فإن مثل هذا التسابق والإسهال التشريعي ينبني أساساً على مخالفة اللائحة الداخلية للمجلس التي لا تجيز من حيث الأصل إجراء المداولة الثانية إلا بعد أربعة أيام من الأولى، ورغم وجود استثناء بذات النص، فإنه يظل استثناءً، لا يُتوسع فيه ولا يُقاس عليه ولا يتحول ليكون هو الأصل بحجة أن المجلس سيد/ سيئ قراراته، فهذه المادة لم توضع عبثاً وفذلكةً من الأولين، بل لتدع مجالاً لإعادة البحث والنظر وفسح المجال لرقابة الرأي العام والنقاش المجتمعي، لا أن تتم مناقشة القوانين بلجان سريّة فقط، ثم طرحها بجلسة واحدة وإقرارها بمداولتين والسلام عليكم حققنا إنجاز، فيفترض بالنواب أنه مثلما تعنيهم شعبوية الاقتراحات أن يحرصوا بالتوازي على «شعبوية» الرقابة أيضاً وهي الأهم والأنفع للجميع وعياً وشكلاً وموضوعاً.
كثرة القوانين وسرعة إقرارها ليست إنجازاً ولا تعدّ نجاحاً ولا تعتبر نصراً، فالعبرة بقابليتها للتطبيق والاستفادة منها، والمسألة ليست مسابقة مجلس مَن أصدر قوانين أكثر من مجلس الآخر، بل من أنجز قوانين أفضل مبدئياً من حيث جودة الصياغة واكتمال الأركان ثم القابلية الفعلية للتطبيق والاستفادة منها على أرض الواقع، أما إصدار القوانين من باب إبراء الذمة واستغلال التعاون الحكومي الحالي ورمي فشل التطبيق بعد سنوات على الحكومات اللاحقة إذا لم تعجبنا، فإنّه يعتبر من باب النصب والاحتيال السياسي لا العمل التشريعي الرصين، فإن كان يقال إن العجلة من الشيطان، وإنه كذلك يكمن بالتفاصيل، فإن إقرار القوانين بهذه الطريقة سيجعلها مليئة بالشياطين.