يقول المدافع الدولي أولكسندر زينتشينكو إنه بمجرد النظر في عيون الأطفال الأوكرانيين الذين عاشوا تحت الاحتلال الروسي في تشيرنيهيف أوبلاست «تُدرك الأضرار الذهنية التي سيحملونها لبقية حياتهم»، ما يُحفزه على جمع الأموال من أجل إعادة بناء مدرستهم.
عاد مدافع أرسنال الإنجليزي والمنتخب الأوكراني لكرة القدم إلى دياره في مايو لأول مرة منذ الغزو الروسي لبلاده في فبراير 2022، وقال لوكالة فرانس برس خلال زيارته للمدرسة في شمال البلاد «حتى الهواء كانت رائحته مختلفة».
تعرضت المدرسة لأضرار جسيمة خلال هجوم صاروخي في 4 مارس 2022 أسفر عن مقتل عاملة تنظيف تبلغ من العمر 62 عاماً.
وكان من الممكن أن يكون عدد القتلى أسوأ بكثير في ظل وجود حوالي 100 مدني في القبو، أصغرهم لا يتجاوز الشهرين من عمره.
وقال مدير المدرسة ميكولا شباك لفرانس برس «كنت مستاءً حقاً، كان من الصعب جداً بالنسبة لي أن أفهم ذلك من الناحية الأخلاقية»، مضيفاً «عندما رأيت مستوى الدمار، أدركت حجم العمل المطلوب لتجديدها (التكلفة التقديرية 1.7 مليون دولار) واستئناف التعليم».
لعب زينتشينكو وأسطورة كرة القدم الأوكرانية أندريه شفتشنكو الذي رافقه في هذه الزيارة، مع قرابة 412 تلميذاً وتحدثا معهم حول تجاربهم.
منذ ذلك الحين، قرر زينتشينكو وشفتشنكو مع الجمعية الخيرية «يونايتد 24» تنظيم مباراة في ملعب «ستامفورد بريدج» الخاص بنادي تشلسي الإنجليزي الذي مر فيه شفتشنكو خلال مسيرته، في الخامس من أغسطس لجمع الأموال بهدف إعادة بناء المدرسة.
أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المؤسسة الخيرية لجمع التبرعات الهادفة إلى تغطية احتياجات أوكرانيا الأكثر إلحاحاً: الدفاع وإزالة الألغام والمساعدات الطبية وإعادة بناء البلاد التي دمرت منذ أن شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغزو على الجارة.
وصرّح زينتشينكو لـ«فرانس برس» في وقت سابق من الشهر الحالي أن «حوالي 800 مدرسة دمرت على يد الروس، ولم نتمكن من إعادة بناء أكثر من 200 منها، كانت هذه المدرسة مهمة من حيث الموقع لأن 10 قرى تستخدمها».
المدرسة لم تكن الشيء الوحيد الذي ترك أثره على زينتشينكو، بل تأثر كثيراً بالاستماع إلى الأطفال ورواياتهم حول الحياة في ظل الاحتلال الروسي.
وقال بهذا الصدد «بعضهم أخبرنا عن الجيش الروسي في منازلهم، تنظر في أعينهم وتدرك الأضرار الذهنية التي سيعانون منها لبقية حياتهم، هذا أمر مخيف».
«لن أفهم أبداً»
ليس لشفتشنكو أو زينتشينكو أي علاقة شخصية بالمدرسة بل الأخير غَيَّر مدرسته «ثلاث مرات» وفق ما أفاد بابتسامة ساخرة، مما يجعل مبادرة لاعب مانشستر سيتي الإنجليزي السابق أكثر أهمية بالنسبة لمدير المدرسة.
وقال شباك في هذا الصدد «أشعر بما يُمكن أن يشعر به أي إنسان عندما يتلقى الأمل، وبالطبع يكون هذا الأمل عظيماً عندما يبدأ من قبل أشخاص مثل هذين الشخصين، كنت مليئاً بمزيد من الأمل عندما لعبا كرة القدم مع أولادنا وفتياتنا في الملعب الذي دمرته الصواريخ».
يتحدث شباك بمشاعر شخص له روابط عميقة بالمدرسة، إذ كان والداه مدرسين هناك وبعد الدراسة عاد كاستاذ جغرافيا عام 1993 وأصبح مديراً لها عام 2015.
على الرغم من أنه كان يعود إلى المنزل ليلاً، فإن أيامه كانت طويلة وكان يحرص دائماً على إطعام الأشخاص المتواجدين في القبو والبالغ عددهم قرابة المئة.
ولحسن الحظ، كانت زيارات الروس إلى المدرسة قليلة جداً وهم «دخلوا المدرسة فقط بعد قصف منطقتنا، لا أستطيع أن أقول لماذا جاءوا إلى المدرسة، أعتقد أنهم أرادوا رؤية نتائج ما فعلوه».
وتابع «كنا قد أعددنا الطعام لأطفالنا، حوالي 30 قطعة خبز، لكن بعد زيارتهم لم نتمكن من إيجادها (قطع الخبز) لأنهم أخذوها، سرقة الخبز تُعد أمراً سيئاً لكنها لا تُقارن بالخسارة التي يشعر بها شباك، الأب لولدين، جراء إمكانية عدم رؤية تلاميذه السابقين بسبب هذا الغزو».
وأوضح «هناك الكثير من الأطفال الذين تخرجوا من هذه المدرسة لن أراهم مرة أخرى وهذا أمر مروع، لسوء الحظ، أدت هذه الحرب إلى مقتل خريجين عملت معهم».
لم يفقد زينتشينكو أي أصدقاء مقربين لكنه ما زال غير قادر على استيعاب جدوى هذا الغزو، قائلاً «لن أفهم أبداً، عندما يولد المرء وينشأ على أرض يعرف فيها كل حجر وشجرة، وفي يوم من الأيام يأتي شخص ما من مكان آخر ويمكنه أن يفعل ما يريد، يمكنه قتل النساء والرجال والأطفال وتدمير كل شيء حوله، وعندما يحصل هذا الأمر في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن تصديقه على الإطلاق».
زينتشينكو الذي ينتظر وزوجته فلادا طفلهما الثاني، سعيد لأنه لم يحمل السلاح لكنه يقوم بواجبه تجاه بلده في مجال يعرفه بشكل أفضل و«آمل إذا سألني أطفالي: +أبي ماذا فعلت في ذلك الوقت، كيف ساعدت؟+، سأكون قادراً على النظر في أعينهم والرد أني حاولت بذل قصارى جهدي».