رياح وأوتاد: ملاحظتان للغانم والمطير
• ملاحظة الغانم:
قدم بعض الإخوة النواب اقتراحا بقانون يقضي بعودة الرقابة المسبقة على الكتب المستوردة، هذه الرقابة التي تم إلغاؤها قبل ثلاث سنوات بدعوى حرية الرأي والثقافة واكتفاء بالرقابة اللاحقة، وقد أعلن الأخ النائب مرزوق الغانم معارضته لهذا الاقتراح المقدم باعتباره نكوصاً وتراجعاً وتضييقاً على العمل الثقافي والفكري، وكتب مؤيداً لبيان رابطة الأدباء باعتبار الاقتراح مناقضاً لقيم الحرية!! وهذا كلام مستغرب خصوصاً من الأخ الغانم، فلا علاقة لما ذكره من حريات أو تضييق بالمقترح المعروض لأن الرقابة اللاحقة متحققة في كل الأحوال، فكيف تكون الحرية مكفولة بإلغاء الرقابة المسبقة فقط مع إبقاء المنع متحققا في الرقابة اللاحقة؟ إذاً فلا علاقة للحرية بالجدال الحالي الذي يدور حول موضوع آخر، وهو أيهما الأفضل في المنع هل هي الرقابة المسبقة أم الاكتفاء باللاحقة؟
وأعتقد أن من البدهي أن الرقابة المسبقة هي الأفضل، هذا مع التأكيد أن الجميع متفق أن ما سيمنع مسبقاً أو لاحقاً إنما هو المخالف للقانون فقط، وهذا ينطبق على كل المحرمات المخالفة للقانون مثل المخدرات والأسلحة والمسكرات والمواد الإباحية لأن المبدأ واحد، وعليه فإن منع وصولها للمستهلك أوجب من إباحتها ثم سحبها لاحقاً بعد نشرها.
أما ما ذكره الأخ الغانم بأن الاقتراح هو إعطاء سلطة المنع إلى جهة غير قضائية فهو غير صحيح تماما لأن قرار المنع الذي تتخذه أي جهة حكومية في أي موضوع معرض للطعن أمام القضاء، لأن القضاء له الكلمة النهائية في إلغاء القرارات الإدارية، وقد نجح بعض الكتاب في الحصول على أحكام قضائية بنشر كتبهم بعد أن منعتها «الإعلام»، وبإمكان الإخوة في المجلس وضع حد زمني كأسبوعين مثلاً حتى تبدي وزارة الإعلام رأيها، ويتمكن الكاتب أو الناشر من اللجوء إلى القضاء.
كما لا حجة للقول بأن كل الكتب أصبحت موجودة في الإنترنت وفي وسائل التواصل فلماذا المنع؟
وهذه الحجة من أضعف ما سمعت في حياتي، لأن كل الموبقات موجودة الآن ومنتشرة في هذه الوسائل، فهل نسمح بدخول منتجات الشذوذ الجنسي والكتب الإباحية والمدونات التي تطعن في الذات الإلهية أو شخص الأمير بحجة أنها متوافرة في بعض الأدوات والاتصال الحديثة؟
إن وضع المنتجات البذيئة المخالفة للقانون في الفترينات وإشاعتها بين الناس، خصوصاً النشء والشباب حتى إن تمت إزالتها بعد فترة لهو قبول بشيوعها وعدم إنكار المنكر الموجود فيها، وقد قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، وقد أخبرني أحد النواب أنه تم تقديم شكاوى عن بعض الكتب الإباحية والمخالفة في معرض الكتاب الماضي، لكن للأسف بعد أن أصبحت في متناول الجميع الكبير والصغير.
أرجو مخلصاً أن يؤيد النائب الغانم والإخوة الأعزاء في رابطة الأدباء هذا الاقتراح بعد دراسة هذه الملاحظات، والله الموفق.
• ملاحظة المطير:
لا شك أن ما ذكره الأخ النائب محمد المطير في المجلس مخالف للدستور والقانون، حيث طلب من وزير العدل التدخل في إحدى القضايا المعروضة على القضاء بخصوص شكوى أو بلاغ ضد أحد أعضاء النيابة وإعادة الاعتبار له.
وهذه الحادثة ذكرتني بحادثتين سابقتين:
الحادثة الأولى، عندما هدد النائب مشاري العصيمي، رحمه الله، باستجواب وزير العدل وقتها الأخ محمد ضيف الله شرار لأنه استدعى بعض وكلاء النيابة، وطلب منهم الاستعجال في نظر بعض القضايا، فاستدرك الوزير الخطأ واعتذر عن تصرفه.
والحادثة الثانية، عندما قدم الأخ النائب حسين القلاف استجوابه لي عندما تمت مخالفة أحد وكلاء النيابة وإحالته للتحقيق، فقرر المجلس أن الاستجواب غير دستوري، ويجب شطبه من جدول الأعمال، وقد قام بقيادة هذا التوجه الدستوري الإخوة مشاري العصيمي ومشاري العنجري وعبدالله النيباري وعبدالله الرومي وغيرهم الكثير.
وقد أكد الدستور أن لا سلطان على القاضي في قضائه، كما أكد القانون أن التحقيق مع القضاة وأعضاء النيابة هو اختصاص القضاء، فنص في المادة (41) و(66) من قانون استقلال القضاء على أن تأديب القضاة وأعضاء النيابة من اختصاص مجلس تأديب من خمسة مستشارين، يختارون من مستشاري «التمييز» و«الاستئناف»، كما نص في المادة (60) على «أعضاء النيابة يتبعون جميعاً النائب العام ويتبع النائب العام وزير العدل، وذلك فيما عدا الاختصاص المتعلق بأي شأن من شؤون الدعوى الجزائية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بتحريك هذه الدعوى ومباشرتها وتحقيقها والتصرف والادعاء فيها».
إذاً فلا يجوز للوزير أن يتدخل في أي شأن من شؤون الدعاوى، وإذا كانت عنده أي معلومات أو شكوى يقدمها إلى التفتيش القضائي الذي يحقق فيها ثم يحيلها إلى المحاكمة.
كما لا يجوز للوزير إعادة الاعتبار أو نزعه من أعضاء النيابة ولا سؤالهم ولا التحقيق معهم أو تأديبهم، لأن كل هذه الأعمال من اختصاص النائب العام وهيئة التأديب، وبالتأكيد لن يُظلم وكيل النيابة المعني أو أحد غيره من أعضاء السلطة القضائية.
وأستغرب كيف مر كلام الأخ المطير في المجلس دون رد أو توضيح من وزير العدل أو رئيس المجلس أو حتى أحد الأعضاء.
كان على الوزير أن يوضح للنائب أن بإمكانه أن يقدم ما عنده من أدلة في أي قضية إلى النائب العام مباشرة، ويشهد على صحتها دون أن يستعمل أدواته داخل المجلس للضغط أو الاستجواب في أي قضية منظورة تخص أحد وكلاء النيابة أو غيرهم.
وخطورة الأمر أنه لو فتح الباب لأعضاء المجلس لاستعمال أدواتهم البرلمانية في القضايا المعروضة على القضاء لاستغل هذه الثغرة بعض النواب أو ناخبيهم للتدخل والضغط على النيابة والقضاء والوزير في مختلف القضايا، وهذا يتنافى تماماً مع استقلال القضاء.
أرجو مخلصاً أن يستدرك النائب المطير الأمر، ويتقدم بما عنده من أدلة أو شواهد في أي قضية إلى النائب العام أو التفتيش القضائي، والله الموفق.