الأب الروحي ورائد صناعة الإعلان في لبنان
منعاً للخلط بين الأسماء المتشابهة، فإن الكلام في هذا المقال ينسحب على «فيليب يوسف الحتّي» صانع الإعلان في لبنان منذ عشرينيات القرن الماضي لا عن المؤرخ د. فيليب حتّي صاحب المؤلفات الشهيرة.
قادني إلى التعرف على سيرة أحد الرواد الأوائل لشركات الإعلان، الصديق والكاتب يوسف مرتضى الذي حدثني عنه وعن تجربته مع شخصية تملك مخزوناً متنوعاً من التجارب في حقول الصحافة والإعلان وعالم السياسة، وهو من قام بمحاورته وتحرير النص بأسلوبه الشيق والممتع.
صناعة الإعلان مهنة اختبرها جيداً نخبة من اللبنانيين وبرعوا فيها مبكراً، ولهذا كان لهم السبق بنقل تلك الخبرات إلى السوق الخليجي بالدرجة الأولى، حيث احتل العنصر اللبناني في مجال الدعاية والإعلان والتسويق المراكز الأولى عربياً.
حاز اللبنانيون ثقة السوق الخليجي والعالمي، وأثبتوا مهارات عالية في إدارة وتسويق كبرى الشركات المتعددة الأنشطة، وهم من يمتلك الحصة الكبرى في سوق الإعلان، بل غدوا من المنافسين والمحتكرين لهذا القطاع.
فيليب يوسف الحتّي، ورث عن والده بشغف العمل في الصحافة والإعلام، وهو المؤسس لجريدة «أرزة لبنان» التي أصدرها في البرازيل عام 1916، يبلغ من العمر الآن الـ95 عاماً تقريباً، كان من الأوائل الذين ساهموا في صناعة الإعلان في لبنان والعالم العربي.
روى في مذكراته العديد من الحكايات المثيرة والمحفزة في الوقت نفسه، وكيف دخل عالم الإعلان وقصة «الدليل السياحي» الذي كانت شركة «سيكو» تصدره في الأربعينيات، وتنقل بين عدد من الصحف والمجلات مثل، «النهضة» و«الزمان» و«الشعب» و«الدستور» وفي مواقع مختلفة في التحرير والأقسام التجارية مروراً بتولي إدارة إعلانات بعض الشركات.
قام بتأسيس 12 شركة ومؤسسة، على رأسها شركة «الإعلانات العالمية» إلى جانب مزاولته عدداً من النشاطات الاجتماعية، وكان من المبادرين في تأسيس نقابة وكالات الدعاية والإعلان مع مجموعة من الزملاء عام 1959، وعددها لم يتجاوز 18 في حينه، قفز إلى 40 شركة بعد سنوات، وبقي عضواً في مجلس إدارة النقابة لمدة 30 عاماً.
لديه «أسرار» عن عالم الصحافة والصحافيين الكبار أمثال غسان تويني وسعيد فريحة وسليم اللوزي وطلال سلمان وكامل مروة، وهي حكايات كان شاهداً عليها، ومع رؤساء الجمهورية وكبار رجالات السياسة.
في جعبته حكايات عن الحملات الإعلانية التي أوكلت إليه، تسويق ماركات عالمية من الأدوات المنزلية التي طافت شهرتها أرجاء الوطن العربي، كذلك التسويق لماركات أطعمة كالمرتديلا الإسبانية.
تحدث عن علاقاته مع أصحاب شركات الإعلان في بيروت، وكذلك وكالات متنوعة تشل معظم احتياجات السوق، وكانت له أيضاً أياد بيضاء بمساعدة رمزي رعد الذي افتتح فرعاً لشركته في الكويت، وأصبح من كبار أصحاب شركات الإعلان في العالم العربي، وأنطوان شويري وهو من أهم أصحاب المؤسسات الإعلانية في لبنان ولعالم العربي.
عاش مآسي الحرب العالمية الثانية، وواجه الكثير من الصعوبات والانتكاسات وسرد منها عشر انتكاسات بدءاً من عام 1952 واغتيال الوزير محمد العبود ثم انتكاسة حرب السويس 1956 وثورة 1958 في لبنان ضد الرئيس كميل شمعون والوحدة بين سورية ومصر وتظاهرات عام 1973 وحرب أكتوبر وحرب السنتين بعد عام 1975.
عاش تلك الخضّات التي تركت أثراً في الأعمال في لبنان، فتوقفت فيها الحركة الإعلانية، لكنه بقي صامداً ومثابراً ومبادراً، وينسب له إقامة نصب تذكاري لكل العاملين في الصحافة من أبناء بلدته الدامور.