بعدما كشفت فضيحة «مليار الإجازات» مقدار التخبط والفوضى وقصر النظر الذي شاب اتخاذ قرار بيع الإجازات، وبعدما أصبح التسبب فيها اتهاماً تتبرأ منه السلطتان وتلقي كلتاهما بمسؤوليته على الأخرى، بات على الحكومة إدراك أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وأن تعمد إلى التحلي بالشجاعة من أجل وقف هذا النزيف العبثي غير المبرر في هدر المال العام، والتصارع المحموم على تصفية مقدرات البلد عبر ما يسمى بـ «الاستبدال».

وربما غاب عن لجنة الميزانيات والحساب الختامي البرلمانية عندما طلبت تكليف ديوان المحاسبة بحث أسباب رفع سقف الصرف في بند «بيع الإجازات» عن المخصص له بالميزانية، ووافق المجلس على ذلك في جلسة 11 يوليو الماضي، أنها هي التي سمحت للحكومة بذلك، عندما أعطتها الضوء الأخضر في تقريرها الثالث بالمجلس المبطل 2022، وسمحت، بعد موافقة وزير المالية، بالنقل بين الأبواب لتغطية البيع.

Ad

وبدأت جذور مشكلة رفع سقف بيع الإجازات تضرب في العمق عندما كثرت المطالبات النيابية بإلغاء شرط حصول الموظف على تقدير امتياز للسماح بالصرف، وخضع ديوان الخدمة المدنية، مما تسبب في تضخم هذا البند، وبذلك لا تكون وكيلة وزارة المالية أسيل المنيفي، تجاوزت الحقيقة عندما كشفت أن الضغوطات النيابية هي السبب في تفاقم وضع بيع الإجازات، وهو ما يؤكد أن المجلس متورط كذلك في تضخم هذا البند ووصوله إلى نحو مليار دينار.

الجدير بالذكر أن وزارة المالية كانت حددت في ميزانية السنة المالية 2022 - 2023 مبلغ 200 مليون دينار للصرف على البدل النقدي للإجازات، بينما طلبت لجنة الميزانيات في المجلس المبطل الأخير برئاسة النائب د. عادل الدمخي بزيادته إلى 300 مليون، وهو ما تمت الموافقة عليه، في جلسة 1 نوفمبر 2022.

وكان مجلس الخدمة المدنية قد وضع جملة شروط للحصول على البدل النقدي للإجازات، منها حصول الموظف على تقريري تقييم أداء امتياز قبل تاريخ الصرف، غير أنه تم إلغاء هذا الشرط بناء على طلب النواب، مما أدى إلى زيادة عدد المستفيدين من بيع الإجازات.

أما ما يؤكد أن مجلس الأمة هو الذي سمح للحكومة بالنقل من الوفر فى الباب الأول لتغطية صرف بيع الإجازات، فهو موافقة المجلس المبطل في جلسة 1 نوفمبر 2022 على التقرير الثالث للجنة الميزانيات، بشأن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية 2022/2023، والذي ينص على أنه «يجوز بعد موافقة وزارة المالية النقل من الوفر الناتج فى بنود الباب الأول إلى بند بدل نقدي أثناء الخدمة لتعزيز الصرف عليها في نهاية السنة المالية».