كتب الأديب وطبيب الأسنان علاء الأسواني مقالة تستحق النشر، فقد وضع إصبعه على ثقافة دينية تتعارض كليا مع ما أمرنا به الله ورسوله، سأنقل بعضاً منها بتصرف.
يقول الأسواني: «لقد عملت طبيباً للأسنان في هيئة حكومية كبرى تضم آلاف العاملين، وفي اليوم الأول، وبينما كنت أعالج أحد المرضى، انفتح باب العيادة وظهر شخص، قدم نفسه باسم الدكتور حسين الصيدلي، ثم دعاني لأداء صلاة الظهر جماعة، فاعتذرت حتى أنتهي من عملي، ودخلنا في مناقشة كادت تتحول إلى مشادة، لأنه أصر على أن أترك المريض لألحق بالصلاة.
اكتشفت بعد ذلك أن أفكار الدكتور حسين شائعة بين كل العاملين في الهيئة، كانت حالة التدين على أشدها بينهم، فقبل أذان الظهر بنصف ساعة على الأقل ينقطع العاملون جميعا تماما عن العمل، ويشرعون في الوضوء وفرش الحصير في الطرقات، استعدادا لأداء صلاة الجماعة.
يقول: «سرعان ما اكتشفت أن كثيرا من العاملين بالرغم من التزامهم الظاهر بأداء الفرائض، يرتكبون انحرافات جسيمة كثيرة بدءاً من إساءة معاملة الناس، والكذب، والنفاق، وظلم المرؤوسين، وحتى الرشوة ونهب المال العام، بل إن الدكتور حسين الصيدلي الذي ألّح على دعوتي للصلاة، تبين فيما بعد أنه يتلاعب بالفواتير ويبيع أدوية لحسابه».
ويقول: «إن ما حدث في تلك الهيئة يحدث الآن في كل مكان، فمظاهر التدين تنتشر في كل مكان، لدرجة جعلت معهد جالوب الأميركي، في دراسة حديثة له، يعتبرنا أكثر الشعوب تظاهرا بالتدين على وجه الأرض، وفي الوقت نفسه، فإننا نحتل مركزا متقدما في الفساد والرشوة والتحرش الجنسي والغش والنصب والتزوير، فلابد لنا هنا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نكون الأكثر تدينا والأكثر انحرافا في الوقت نفسه؟».
ويقول: «فمنهم ضباط الشرطة الذين يعذبون الأبرياء، والأطباء والممرضات الذين يسيؤون معاملة المرضى الفقراء في المستشفيات العامة، والموظفون الذين يزوّرون بأيديهم نتائج الانتخابات لصالح الحكومة، والطلبة الذين يمارسون الغش الجماعي، معظمهم متدينون ظاهريا وحريصون على أداء الفرائض».
ويقول: «مجتمعنا يعاني الآن من انفصال العقيدة عن السلوك، وانفصال التدين عن الأخلاق، الذي يؤدي بالضرورة إلى شيوع الكذب والغش والنفاق، مع أن الأديان جميعا قد وجدت أساسا للدفاع عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية، وكل ما عدا ذلك أقل أهمية، فالتراث الإسلامي حافل بما يؤكد أن الأخلاق أهم عناصر الدين، لكننا لا نفهم ذلك أو لا نريد أن نفهمه.
إن الفضيلة تتحقق بطريقتين لا ثالث لهما: إما تدين حقيقي مرادف تماما للأخلاق، وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى لو لم تستند إلى الدين، فإن التدين الحقيقي يجب أن يتطابق مع الأخلاق، وإلا فإن الأخلاق بلا تدين أفضل بكثير من التدين بلا أخلاق».
أقول: إذا أردت تدمير أمة فما عليك إلا أن تنّصب عليها فاسدين سراقا للمال العام، ولكي تتسيد على شعوبها فانزع عنهم مكارم الأخلاق، واعمل على تجهيلهم بإلهائهم بالخزعبلات، والغيبيات، وكثرة العطل الدينية.
يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فأين أغلبنا من هذه المكارم، وقد زاد الفساد، وتفشت الرشوة، وانتشر وساد التزوير في كل شيء، وأصبح الدين عند البعض طيراً يقنص به الدينار والدرهم؟ وهكذا تدمر الأمم.