اشتباكات عين الحلوة... سلطة «فتح» تتآكل
فشلت جميع الاجتماعات والاتصالات والتعهدات بوقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، الذي يعتبر الأكبر من حيث المساحة والسكان بين المخيمات الفلسطينية على الأراضي اللبنانية.
ولليوم الرابع على التوالي، تواصلت الاشتباكات بين مسلحين من حركة فتح وآخرين ينتمون الى تنظيمات إسلامية متشددة، وهو ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات.
ودائماً شهد المخيم الذي توجد فيه مجموعات مسلحة وفصائل فلسطينية متعددة، توترات واشتباكات في إطار الصراع على النفوذ، لكن الاشتباكات الحالية قد تكون بين الأعنف، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول الأسباب الكامنة وراء اندلاع المواجهات في ضوء توافر معلومات عن استنفار وتوتّر أمني يشمل غالبية المخيمات الفلسطينية في لبنان.
ويبدو أنه إضافة الى الصراع الدائم والمستمر بين حركة فتح وتنظيمات إسلامية متطرفة على النفوذ، فقد شكّلت زيارة رئيس جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية، ماجد فرج، إلى بيروت قبل أيام إحدى شرارات الاشتباكات.
وأحيطت زيارة فرج بمعلومات وتسريبات كثيرة، بعضها له علاقة بصراعات داخلية في «فتح»، وبعضها الآخر بإيصال رسالة واضحة إلى حزب الله بالتوقف عن نقل الأسلحة والدعم للمجموعات المسلحة العاملة في الضفة الغربية. وأفادت تسريبات أخرى بأن الزيارة كانت تهدف إلى ضبط الوضع والخلافات داخل المخيمات، مع تطويق الاتساع السياسي والأمني والعسكري لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي في المخيمات على حساب حركة فتح.
وترددت معلومات عن اقتراح طرحه فرج يقضي بفصل السياسة عن العسكر في حركة فتح، وهو ما فسّر بأنه ردّ على الخلافات بين قيادات فتحاوية والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وهو اقتراح يعترض عليهم الكثيرون داخل «فتح»، ولذلك طرحت علامات استفهام كبيرة حول خلفيات اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني أبوأشرف العرموشي، المحسوب على مسؤول مالية حركة فتح، منذر حمزة، والذي لديه علاقة قوية بفرج، وتفيد بعض المعلومات بأن لديه خلافات كثيرة مع السفير الفلسطيني. وهذه رواية جديدة حول الاستفادة من هذا الصراع لتنفيذ الاغتيال الذي تتهم حركة فتح به مسؤولين من تنظيمات إرهابية أو متطرفة.
وعلى وقع الاشتباك العنيف والقائم، يبرز توجهان في حركة فتح، الأول يوافق على مسألة وقف إطلاق النار والمعالجة، فيما يرفض جناح مؤيد للعرموشي وقف إطلاق النار، ويصر على تسليم من قام باغتياله، وأيضاً تحقيق انتصار عسكري في حي الطوارئ الذي يقع تحت سيطرة «عصبة الأنصار» و«جند الشام»، وغيرها من التنظيمات المتطرفة والكثير من المطلوبين.
ومما لا شك فيه أن حركة فتح أصيبت بضربة قاصمة حتى الآن من خلال اغتيال العرموشي، من دون قدرتها على تحقيق أي تقدّم عسكري يُذكر. وتمثل هذه الانتكاسة تكملة لانتكاسة أخرى تتمثل في عودة عدد من المطلوبين الذي نفّذ بعضهم عمليات اغتيال ضد كوادر فتح إلى المخيمات، في مؤشر على تراجع سلطة الحركة.
إنها حلقة جديدة من الصراعات بين فصائل فلسطينية وجهات أخرى لبنانية وغير لبنانية عبر التقاتل بين هذه الفصائل. وهي صراعات لها أبعاد متعددة، وتلك الحلقة ستفتح المجال أمام تداعيات كثيرة سياسياً في الداخل والخارج، وقد تعيد إحياء مشروع نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، والذي سيعود ليتطور ويتوسع أكثر في المرحلة المقبلة ويشمل إعادة تجديد النشاط حول المطالبة بتطبيق القرار 1559.