في عام 2008 كتبت مقالين تحت عنوان «في مرمى الإصلاح» سلطت الضوء فيهما على ضرورة إجراء إصلاحات إدارية ومالية لمواجهة الفساد «الزمن لا يغفر والنوم ما فاد أهل القبور... إعادة آلية الاختيار للمناصب القيادية يجب أن يتغير مفهومها من خلال إنشاء بنك للكفاءات يتبع مكتب رئيس الوزراء يُعنى بتوثيق السير الذاتية وتصنيفها وتبويبها وفق التخصصات العلمية والإنجازات المهنية للاستعانة بهم متى ما دعت الحاجة لهم في التخطيط، وقيادة العمل الميداني».

هذا الإجراء قد يكفينا سوء اختيار القيادات ويجنب الوزراء الكثير من الضغوط والحرج، لذلك آن الأوان لتنفيذ هذا المشروع وتحرير الدولة من خطورة الاستمرار في المعادلة السابقة التي تخضع لمعايير المحاصصة والاعتبارات السياسية والاجتماعية والتي كانت السبب وراء تراجع الأداء الحكومي طوال السنوات الماضية.

الفساد كالعملة المعدنية لا يهم لأي وجه تنظر، فكلاهما يدل على الصفة ذاتها، لكني أرى إصلاح المسار الإداري مقدما على الإصلاح المالي لسهولة تطبيقه، كما أن البدء به سيوقف النزيف المالي، ومع مرور الوقت وبوجود القيادي المتميز النزيه ستنحصر أوجه الفساد وينكشف الغطاء عن رعاة الفساد.
Ad


على الرغم من وجود العديد من الإجراءات الإدارية والفنية التي تمر بها العقود والمزايدات التي تطرحها الحكومة قبل وصولها للجنة المركزية للمناقصات، فإن بعضها يثير الاستغراب بما فيها من مبالغات بالأسعار، وزيادة عن الحاجة الفعلية كعقود التوريدات والنقل، وبعضها الآخر يمكن الاستغناء عنها كالإشراف الهندسي والبرامج وتطبيقات الحاسوب.

لأجل ذلك وعلى قرار إنشاء بنك الكفاءات أقترح إنشاء مكتب مصغر من الخبراء الماليين والفنيين يتبع مكتب سمو رئيس الوزراء مهمتهم مراجعة العقود التي تبرمها الوزارات والهيئات التابعة له لدراستها وتقييم المنافع المادية والخدمية قبل التنفيذ وأثناءه وبعده لمطابقتها لشروط التعاقد وقياس آثارها والنتائج المرجوة منها، والتأكد من أن تكلفتها ضمن مفهوم نطاق الأسعار العادلة.

اليوم وبعد أن صوت مجلس الأمة على مشروع ميزانية الدولة يجب أن ينطلق قطار التعاون النيابي الحكومي في المحاسبة من مبدأ الرقابة المالية اللاحقة التي تبدأ بعد التصويت عليها من خلال مطالبة لجنة الميزانيات ديوان المحاسبة برفع تقارير شهرية لدراستها والتأكد من سلامة إجراءات الصرف، وهو أيضا بمنزلة اختبار لجدية الحكومة في معالجة مثالب الصرف في الميزانيات السابقة.

مازال الجزم بجدية الحكومة الحالية في إعادة الثقة بينها وبين المواطنين مبكرا رغم وجود بعض المؤشرات الإيجابية التي تدعو للتفاؤل، لذلك وقبل الحكم على نجاحها من عدمه علينا انتظار برنامج العمل الحكومي والتعيينات القادمة ومحاسبة القيادات السابقة والحالية متى ما ثبت إهمالها وتقصيرها.

الاقتراح الذي تقدم به السادة النواب عبدالله الأنبعي وخالد المؤنس وثامر السويط وفارس العتيبي والدكتور محمد المهان «اقتطاع 20 في المئة من أرباح صندوق الأجيال والاكتتاب عن المواطنين في الشركات المزمع إنشاؤها» اقتراح مستحق وله أثر إيجابي على دعم الاقتصاد الوطني وتوطين الاستثمارات وجذب المستثمرين الأجانب، لكن هذا الاقتراح يتطلب تحديد المجالات الاستثمارية وبعض التشريعات التي تهيئ الظروف الآمنة للمستثمرين، وإلى توجيه نسبة لا تقل عن 50% من العمالة الوطنية لها برواتب عادلة للمساهمة في حل مشكلة التوظيف في القطاع الخاص.

مثل هذه الاقتراحات فرصة لإعادة النظر في مشروع دعم العمالة الوطنية التي تتحمل الحكومة معظم تكلفتها عن العاملين في القطاع الخاص، وإلى تحريك الاقتصاد الوطني المحلي لإيجاد مداخيل مالية غير نفطية تضاف إلى خزينة الدولة.

ودمتم سالمين.