ساحات التجاذب الإقليمي «تسخن» مجدداً من الخليج إلى بيروت
من بغداد إلى بيروت، مروراً بدمشق، عادت السخونة إلى ساحات التجاذب الإقليمي بين إيران والدول العربية، وذلك بعد التوتر المتصاعد على خلفية الإصرار الإيراني على الاستفزاز فيما يخص حقل الدرّة الكويتي.
أسباب كثيرة تدفع إيران إلى التصعيد، أبرزها عودة الحرارة إلى العلاقات الأميركية - السعودية، والزيارات المتتالية لمسؤولين أميركيين إلى الرياض، واللقاءات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى ما تسرّب عن تقديم عروض من واشنطن حول تحسين العلاقات مع الرياض، وصولاً إلى التطبيع مع إسرائيل مقابل عرض مشروع نووي سلمي، واتفاقية استراتيجية أمنياً وعسكرياً مشابهة لـ «الناتو» مدتها لـ 45 عاماً.
يأتي ذلك في ظل تعثّر المفاوضات النووية الإيرانية - الأميركية، على الرغم من كل المحاولات الدبلوماسية لإعادة إحياء التفاوض، والذي تسعى إليه دولتا قطر وسلطنة عمان، فيما كل المؤشرات تفيد بأن الإدارة الأميركية غير قادرة على المُضيّ قُدماً وتقديم أي تنازل لمصلحة إيران، وهي على مشارف الدخول في مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
كل هذه الوقائع تشكّل عناصر ضغط على مساعي التوصل إلى اتفاق، خصوصاً في ظل وجود وجهات نظر متضاربة داخل إيران بين مراكز قوى وقرار متعارضة ومتعددة، بعضها سياسي وبعضها يرتبط بالحرس الثوري الذي أطلق، أمس، مناورات عسكرية في الخليج، وهو ما يرفع من منسوب التوتر قبيل استضافة السعودية مؤتمرا حول إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية.
وفي سورية، يتعثّر مسار التطبيع العربي مع دمشق، إذ تفيد مصادر متابعة بأن دمشق لم تقدّم أي تنازل من تلك التي تعهّدت بتقديمها وكان منتظرا أن تقوم بها، لا في ملف إعادة اللاجئين ولا في ملف ضبط تهريب المخدرات، أو وقف الاستثمارات الإيرانية. وتكشف مصادر أن الإيرانيين يكثفون من الضغوط المالية والاقتصادية على دمشق ويلزمونها بالدخول في اتفاقات واستثمارات يتم بموجبها تسديد الديون المتوجبة عليها لمصلحة إيران، والتي يثمنها الإيرانيون بأكثر من 50 مليار دولار. جزء من هذه الضغوط انعكس في وقف مسار التقارب السوري - الخليجي، بينما هناك معطيات تفيد بأن إيران وحلفاءها في دمشق يستعدون للتصعيد ضد القوات الأميركية وحلفائها في شرق سورية، وقد يصل الأمر إلى حدود تنفيذ عمليات أمنية أو عسكرية أو تظاهرات شعبية تطالب بالخروج الأميركي.
في لبنان، هناك أكثر من مؤشر لهذا التصعيد، أولاً ميدانياً في الجنوب من خلال الخطوات التي يقوم بها حزب الله وتثبيته لوقائع جديدة، فيما ترجّح المعلومات أن يستمر التوتر هناك، وتستمر تحركات الحزب على مشارف زيارة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، إلى بيروت وإعادة البحث في ملف التجديد لقوات الطوارئ الدولية وترسيم الحدود البرية، وسط معلومات تفيد بأن حزب الله يعمل على إنشاء مجموعة جديدة يطلق عليها اسم «شباب الساحات»، في إشارة منه إلى «وحدة الساحات» ضد إسرائيل.
أما التصعيد الآخر ميدانياً، فانعكس فيما شهده مخيم عين الحلوة من اشتباكات وتوترات بين فصائل فلسطينية متعددة، وخصوصاً بين قوى إسلامية وحركة فتح، وسط اتهامات توجه إلى حزب الله بأنه يدعم بعض القوى الإسلامية على حساب «فتح».
كما أن هناك تصعيدا سياسيا أيضاً تمثّل في تشبث حزب الله بترشيح سليمان فرنجية وتقديمه تنازلات ومكتسبات مغرية لزعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل لتمرير انتخاب فرنجية، وهو ما سيكون في حال تحقق إطاحة بمؤشرات التوافق، وقفزاً فوق نتائج الاجتماع الخماسي في الدوحة، ومحاولة لتجاوز المطلب السعودي الدولي بضرورة انتخاب رئيس توافقي غير محسوب على أي طرف، ولا يمثّل غلبة لطرف على حساب الآخر.