قالت الجمعية الاقتصادية الكويتية، إن هذه السنة المالية شهدت عودة الميزانية العامة إلى زمن الفوائض المالية بعد نحو 10 سنوات عجاف، سُجلت فيها العجوزات، واستُبيح فيها المال العام، وسجلت تلك الفترة أرقاما قياسية في تجاوزات الأموال العامة، واحتلت الكويت على إثره المرتبة رقم ـ57 بين 191 دولة في تقرير جدول الرابطة الاقتصادية العالمية 2023 الصادر عن مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال «سيبر» البريطاني.
وأكدت الجمعية، في بيان، أن الوضع المالي الأساسي أفضل في ظل ارتباط نحو نصف زيادة النفقات ببنود استثنائية غير متكررة (مبالغ متأخرة لسداد فواتير الكهرباء، ودعوم الوقود وبدل إجازات الموظفين) وارتفاع أسعار النفط مقارنة بتوقعات الميزانية.
وأضافت أنه على جملة التقارير الصادرة تذهب الجمعية إلى أنه على الرغم من تحسن الوضع المالي بمؤشرات جيدة ولكنها بطيئة، لكن تبقى نقاط الضعف الهيكلية لا تزال قائمة، بما في ذلك التنويع المحدود للإيرادات والميزانية التي تسيطر عليها بشكل كبير الأجور والإعانات (80 في المئة من إجمالي النفقات)، ويعني هذا أنه عندما ينطلق برنامج التنويع الاقتصادي الذي يعتمد بكثافة على الإنفاق الرأسمالي الحكومي، فإن الإنفاق العام سيشهد مزيدا من الارتفاع.
وأشارت إلى أن الجهود الكبيرة التي بذلت من الدول العظمى في تحويل الطلب على النفط إلى الطاقة المتجددة كانت كبيرة منذ سنة 2010، ولكنها لم تنجح في أن تقلل الاستهلاك على النفط بأكثر من 5 في المئة، وهذا يجعل فرص الإصلاح الاقتصادي المنشود بتنوع مصادر الدخل حاجة ملحة.
خطوة للأمام
وتابعت «إننا نرى أن برنامج عمل الحكومة الجديدة هو خطوة للأمام مقارنة بالسنوات السابقة، وشامل للأولويات النيابية والشعبية، ويعكس حلولاً زمنية للقضايا التي تهم الشارع الكويتي، وقد وجدنا أهدافاً استثمارية وإن كانت غير محددة تفاصيلها والمدد الزمنية للتنفيذ والكلفة ومردودها على الدولة مالياً وعلى المجتمع وفئاته، إلا أنها أفكار خارج صندوق التذبذب الحكومي السابق».
ورأت أن استمرار الكلام الإنشائي الذي يصدر من مجلس الوزراء هو أمر لا بد منه في العقلية الحكومية المتجذرة، لذلك كان الأجدى أن يعيد البرنامج في البداية صياغة رؤية الكويت 2035، لتتواكب مع متغيرات ومستجدات طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية.
وأشارت إلى أن «المقلق بالنسبة لنا هو التفات الحكومة عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي حل بها عملية إبادة جماعية بمباركة حكومية سابقة. لذا لن يتغير الواقع المؤلم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة ولن تخرج المشاريع من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتم توفير البيئة المناسبة لذلك، فالتحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة ليست حكراً عليه بل هي تحديات القطاع الخاص كله».
تهذيب السلوك الحكومي
وأوضحت أنه «بالرغم من أن بنود الضريبة والدَّين العام ورفع الدعم عن بعض الخدمات وتقليلها أتت بشكل رئيسي في كل برنامج عمل للحكومة على عكس البرنامج السابق، حيث حضرت على استحياء وتلونت بين السطور بجمل مطاطية على وزن (مراجعة الخدمات العامة) و(تحسين قدرات إدارة الضرائب) وكذلك (العمل على تنفيذ استراتيجية التخصيص) حتى تكون اعتباراتها السياسية أقل كلفة على أعضاء مجلس الأمة، فإننا مازلنا متمسكين ومؤمنين وقانعين بأن أي إصلاح يبدأ بمس جيب المواطن هو إصلاح ساقط شعبياً قبل أن يسقط سياسياً، وإيماننا راسخ بأن سلم الإصلاح الاقتصادي يبدأ بتهذيب السلوك الحكومي بالهدر الصارخ في الميزانية والمصروفات الغير حصيفة من أمثال (الرواتب الاستثنائية وبيع الإجازات وغيرها...)».
إرادة سياسية جادة
وشددت على أنها ترى أن «أولى مراحل الإصلاح الشامل هي وجود إرادة سياسية جادة تعزز ثقة الشعب في الحكومة ومن ثم تهيئة المجتمع لأي إجراء إصلاحي في المستقبل كما فصّلنا في (أولويات الإصلاح الشامل في الاقتصاد الكويتي)، وأن يرتكز الإصلاح اليوم على أمر واحد أساسي وهو الإصلاح المؤسسي كي تتمكن الحكومة من الوصول إلى الإصلاحات الأخرى. ولفتت إلى أن أي إصلاح يبدأ من مس جيب المواطن هو إصلاح ساقط اقتصاديا قبل أن يسقط شعبياً. فالهدر المالي في الميزانية من الواجب ضبطه قبل التفكير بفرض ضرائب، ومحاربة الفساد وتقليل التكلفة الباهظة والمصاحبة له كذلك على رأس سلم الأولويات.
وذكرت الجمعية أنه «من الضروري دراسة الآثار الاقتصادية المترتبة على أي قرار قبل اتخاذه، وإلا أننا فوجئنا بعد جائحة كورونا كما فوجئ الجميع بإجراءات حكومية أبعد ما تكون عن الواقع وهو ما تجلى واضحاً من عجز الحكومة آنذاك على التقدم بمشروع واحد لانتشال البلد من حالة المرض السريري الذي أصابه، إذ إنها دلائل على أن السلطة التنفيذية تغرد خارج السرب في مشهد محزن لعجزها عن اتخاذ القرار، ونتمنى أن ينعكس استحسان الشارع من برنامج العمل على تغيير هذه الصورة النمطية في الحكومة وسلوكها السابق».