منذ أن عرف العالم مصطلح «غرفة التجارة» أو «غرفة التجارة والصناعة» في نهايات القرن السادس عشر حتى يومنا هذا، كان التجار، وما زالوا، مستقلين في قراراتهم المصيرية، فهم الممسكون بخيوط التنمية الاقتصادية، وهم الداعم الرئيس لبرامج الحكومات وخططها الدورية، ليس من باب التحكم والاحتكار بقدر ما هو دعم وسند لجهود الحكومات، كي تنعكس نجاحات هذه الحكومات على اقتصاد الدولة بشكل عام، والكويت ليست استثناءً.
وليس ببعيد تاريخياً ما كان يقدمه تجار الكويت من دعم لميزانية إمارة الكويت قبل ظهور النفط، فما الذي جرى اليوم حتى تحاول فئة من النواب قلب الهرم الاقتصادي لدولة الكويت لتناقض أعراف وقوانين العالم كلها، وكأنها تحاول النيل من غرفة تجارة وصناعة الكويت، والتي تعد من أهم أعمدة الاقتصاد الوطني؟
ففي بداية كل دورة برلمانية أو فصل تشريعي يتحفنا بعض النواب بمقترح مشروع تعديل قانون غرفة التجارة والصناعة من أجل أن تكون الغرفة تابعة لوزارة التجارة بدلاً من بقائها مؤسسة نفع عام مستقلة، فتضعف مكانة الغرفة، وبالتالي يتم التحكم في قراراتها الاقتصادية المصيرية والمؤثرة في مستقبل الكويت، فهل في هذه الحركة البرلمانية الغريبة «فزاعة» لتخويف تجار الغرفة بعد أن صار النفط هو المهيمن على الاقتصاد الريعي، وبالتالي التقليل من إمكاناتهم المالية والاقتصادية؟ أم أن هذا المشروع البرلماني مجرد «منخل» لإخفاء مآثر غرفة تجارة وصناعة الكويت التي صارت بصماتها واضحة في تاريخ دولة الكويت منذ إنشاء الغرفة قبل أكثر من 65 عاماً؟
ولا أدري كيف يفكر المشرعون الذين ينادون بترك الاقتصاد الرعوي والإشراف الحكومي والانتقال إلى خصخصة القطاعات الاقتصادية وتعظيم دور القطاع الخاص، ثم يناقضون أنفسهم عندما ينادون بأن تكون غرفة تجارة وصناعة الكويت تحت إشراف حكومي، ظناً منهم أنها تتحكم بمسارات الاقتصاد، وإذا كانت الغرفة نفسها تدعم الخصخصة من أجل أن يتمكن الناس من إدارة شؤونهم الاقتصادية والتجارية الخاصة، كجزء أصيل من العمل الديموقراطي، فكيف يعمل النواب على إلغاء دور غرفة تجارة وصناعة الكويت في هذا الجانب، وكأنهم يسيرون عكس تيار الديموقراطية وهم حراس الدستور؟
إن أغلب المقترحات التي يقدمها النواب حول الغرفة تناقض صريح المادة (43) من الدستور التي تؤكد على حرية تكوين الجمعيات والنقابات، لتبدو هذه المقترحات المقدمة على عجل وكأنها عملية انتقامية ضد بعض التجار الذين لم يلبوا مطالب هذا النائب أو ذاك، وإذا كنا ننشد تفعيل دور القطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد فكيف يعمل بعض النواب على تقييد حرية الغرفة بداعي تنظيم العمل التجاري وهي الجهة المعنية بتنظيم العمل في القطاع الخاص المنوط به توفير المزيد من فرص العمل للشباب؟ وكيف يمكننا العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الخليج العربية أو بين الدول العربية إذا لم يكن لغرفة التجارة والصناعة أهمية تذكر في بلدها؟
وإذا كنا نؤمن بالديموقراطية والخصخصة وتفعيل دور القطاع الخاص، فلماذا لا يكون دور الدولة الإشراف على تطبيق القوانين بدلاً من العودة إلى المربع الأول حيث التحكم بمؤسسات المجتمع المدني؟ وإذا كنا نرى بأم أعيننا فشل الدولة في إدارة كثير من مؤسساتها العامة فكيف نسمح للحكومة بإدارة الغرفة وهي مظلة القطاع الخاص، التي أنشأها التجار لإدارة مصالحهم التجارية الخاصة؟