من صيد الخاطر:«الدين النصيحة»
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، فالدين النصيحة، فإذا علمت أن أخاك فعل شيئاً يريد النصح، فينبغي أن تنصحه، وإذا استنصحك فانصح له الأمر آكد، أي تأكد أنه فهم وتقبل نصحك حتى لا تغشه، وقد قيل الكثير عن النصح:
فقد سئل عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: إن كنت فاعلاً ولابد، ففيما بينك وبينه، وقيل: الحب أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان أحدهما يحبك، والآخر يخافك، فالذي يحبك منهما ينصحك شاهداً كنت أو غائباً لحبه إياك، والذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخاف، ويغشّك إذا غبت ولا ينصحك، وقيل: ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة، وقيل: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.
وقد جلس الخليفة الخامس، عمر بن عبدالعزيز، يوما إلى الإمام الحسن البصري يطلبه النصح، فسأله: بمن أستعين على الحكم يا بصري؟ فرد قائلاً: يا أمير المؤمنين، أمّا أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم، وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك، فتعجب عمر بن عبدالعزيز وسأله: فبمن أستعين إذاً، قال: عليك بأهل الشرف، فإن شرفهم يمنعهم من الخيانة.
أما العلاّمة ابن خلدون فقال في الشأن نفسه: لا تولوا السفلة والسفهاء وأبناءهم قيادة الجنود، ومناصب القضاء، وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب، اجتهدوا في ظلم الأبرياء، وأبناء الشرفاء وإذلالهم تعمداً، وذلك لشعورهم بعقدة النقص والدونية مما يؤدي إلى سقوط العروش، ونهاية الدول.
فما أكثر من تقلد المناصب وهم ليسوا بأهل لها، فتولوا أمور العامة، فعتوا وتجبروا، حتى أصبحوا وبالا على الأمة لا يمكن الخلاص من فسادهم إلا باجتثاثهم من عروقهم.
ملحوظة: من التراث.