يعتبر المتحف المفتوح بالكرنك، الواقع في مدينة الأقصر- أقصى جنوب مصر، أحد الأماكن الأثرية التي أدهشت عشاق الحضارة والتاريخ المصري من كل دول العالم، لكونه يمثل إطلالة على التاريخ الفرعوني، حيث يُعد علامة مصرية قديمة من حيث التصميم والبناء والألوان والنقوش على الأحجار التي رسم عليها تفاصيل التاريخ المصري.
وفي السطور التالية نتعرف على تاريخه، وأهم ما يضمه من قطع أثرية، بعد الانتهاء أخيراً من مشروع تطويره.
منذ نحو خمس سنوات، وتحديداً في عام 2018، أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن المتحف المفتوح بالكرنك. وقد عبَّر الخبراء، آنذاك، عن سعادتهم، لكونه يجمع العديد من المقصورات التاريخية في عصور مصر القديمة، كما يحتوي على مقتنيات صغيرة تعكس كيف كان يعيش المصري القديم، والأدوات التي ساعدته على الحياة، واحتفلت الوزارة ومحافظة الأقصر حينها بافتتاح المتحف أمام الجمهور.
وقبل أيام، أنهى المجلس الأعلى للآثار مشروع تطوير خدمات الزائرين بالمتحف، وهو المشروع الذي استغرق العمل به نحو شهرين، ويستهدف تحسين التجربة السياحية للزائرين من المصريين والأجانب.
الملك سونسرت
ويجمع المتحف رحلة الأسرة الفرعونية الثانية عشرة، ويقدم قراءة واضحة في طرق المعيشة والحروب التي خاضتها وتاريخها في تلك الفترة التاريخية، ويرجع حكم تلك الفترة إلى ملك يُدعى سنوسرت الأول، الذي تولى حُكم بلاد النوبة حين كان عُمره عشر سنوات فقط، وحقق الكثير من الانتصارات والتوسعات أثناء حكمه لمصر.
ويقع المتحف المفتوح بمعابد الكرنك في الركن الشمالي الغربي، ويضم مجموعة من الآثار المهمة من أروع ما أنتج المصري القديم من فنون النحت والعمارة. كما يتمتع المتحف بالكثير من المقتنيات الفرعونية المهمة، حيث كان المصريون القدماء يعتقدون في فكرة البعث والخلود، وأن الإنسان سوف يحيا مرة أخرى، لذا كانوا يدفنون معهم مقتنياتهم الذهبية وأغراضهم الشخصية، مثل: الملابس والكتب والبرديات، بل كانوا يكتبون بالأحجار مسيرتهم الحياتية على جدران المقابر.
وظهرت فكرة إقامة المتحف المفتوح مع التوسع في أعمال الحفائر والاكتشافات والدراسات الأثرية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث تلاحظ وجود كتل وعناصر معمارية جرى العثور عليها في أثناء أعمال الحفائر، ومع دراستها، أمكن تجميع أجزاء كبيرة منها، والتي تبين أنها كانت مُشيّدة في مناطق عدة بالكرنك، وجرى تفكيكها في عصور لاحقة، وإقامة عناصر معمارية أخرى مكانها.
المقصورات الملكية
ونظراً لاستحالة إعادة بنائها في نفس مكانها الأصلي، فقد تم اختيار الموقع الحالي للمتحف المفتوح لإعادة بنائها مجدداً. وقد جرى البدء في إقامة المتحف المفتوح عام 1937، عندما تم تجميع الكتل الخاصة بمقصورة الملك سنوسرت الأول، التي تعتبر من أقدم المباني التي أقيمت في الكرنك، وترجع إلى عصر الأسرة الثانية عشرة، وأُطلِق عليها اسم «المقصورة البيضاء»، لأنها مُشيّدة من كتل من الحجر الجيري الأبيض المجلوب من محاجر طرة. وتتميز نقوشها بتفاصيل دقيقة تُعد مرجعاً لأسلوب النقش في عصر الدولة الوسطى.
ويضم المتحف أيضاً مقصورة الملكة حتشبسوت، التي تُعرف باسم «المقصورة الحمراء». ويرجع سبب إطلاق هذا الاسم عليها إلى تشييد جدرانها بكتل من حجر الكوارتزيت الأحمر. وتحتوي المقصورة على مناظر ونقوش بديعة تخص الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث، وتتناول موضوعاتها علاقتها بالمعبود آمون رع، والتقدمات المتنوعة والأعياد المختلفة والمواكب المبهجة، وغيرها من المناظر والنقوش البديعة.
نقوش بديعة
كما يوجد بالمتحف فناء بأعمدة يرجع إلى عصر الملك تحتمس الرابع، ويُعد من العناصر المعمارية المميزة التي كانت مُشيّدة في الكرنك خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتتميز بنقوشها البديعة وألوانها المميزة، إضافة إلى مقصورتين منحوتتين من حجر الألباستر، الأولى للملك تحتمس الأول، والثانية للملك تحتمس الرابع، وتتميزان بدقة نقوشهما وتفاصيلهما الثرية.
وفي أقصى الجانب الجنوبي من المتحف، يوجد جدار ضخم مبني من الحجر الرملي، يعتبر من أندر الآثار التي شُيدت بالكرنك، والتي ترجع إلى الملك أمنحتب الرابع، قبل أن يغيِّر اسمه إلى إخناتون، حيث يظهر الملك وهو يُؤدِّب الأعداء.
ويضم المتحف العديد من الأعتاب المميزة وبقايا البوابات والعناصر المعمارية، التي تمثل أجزاءً من مبانٍ كانت مقامة بالكرنك قديماً.
خدمات لذوي الهمم
من جانبه، أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، أن مشروع تطوير المتحف تضمن تبليط الأرضيات ببلاطات من الحجر الرملي تتماشى مع طبيعة المنطقة الأثرية، إضافة إلى تثبيت لافتات إرشادية ومعلوماتية عن المتحف، وما يضمه من آثار، ووضع مقاعد خشبية لاستراحة الزائرين، فضلاً عن مجموعة من القطع الأثرية التي يجري عرضها للمرة الأولى، وإتاحة مسار زيارة للسياحة الميسرة من ذوي الهمم لتسهيل زيارتهم للمتحف.
فيما قال المدير العام لآثار مصر العُليا، فتحي ياسين، إنه تم تزويد المتحف بعدد من القطع الأثرية المهمة، من بينها قطع للملك إخناتون وغيرها تخص الملك شاباكا من الأسرة الـ 25، وأخرى من العصر المتأخر.