لا بد من الحديث عن نشأة عبدالعزيز حمد الصقر، وطفولته، وتعليمه؛ لما لها من دلالات لفهم الأحداث اللاحقة، ومواقفه التي كانت استثنائية، ولم تكن عادية، وهذا شيء طبيعي عندما تدرك أن هذا الابن، الذي ولد في دار عز ومجد، ووجاهة وأصالة، وعلم وفضل ونبل، قد شهد حدثين مبكرين من حياته، فكان والده حمد عبدالله الصقر رئيسا لمجلس الشورى في الكويت عام 1921م، وهو من أبرز أعيان الكويت، وشقيقه الأكبر عبدالله كان عضوا فعالاً وبارزا في المجلس التشريعي الأول عام 1938م، والمجلس التشريعي الثاني 1938 – 1939م؛ لذا كان يجب التطرق بالحديث إلى كل من مجلس الشورى، وبداياته، والأحداث المرافقة له، ومن ثم الحديث عن المجلس التشريعي، وما تبعه من أحداث، وبمناقشة تفاصيلها نستطيع أن نصل إلى حجم التأثر الذي عاشه عبدالعزيز، والمشاعر التي حملها في نفسه منذ فترة مبكرة جدا من حياته، ولعل من المناسب هنا أن أذكر دور ديوانية الصقر في حسم موضوع المجلس التشريعي، والأبرز هو المشاعر الوطنية التي رافقت الحركة الوطنية في الكويت في تلك الفترة المبكرة من حياة الكويتيين. مولده ونشأته

ولد عبدالعزيز الصقر عام 1913م، والتحق عام 1916م بالمدرسة المباركية، وكان له من العمر حينذاك أربع سنوات، واستمر فيها حتى عام 1920م، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لرجالات الكويت دورا كبيرا في تأسيس مدرسة المباركية، وجاءت تسميتها نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح، وهي أول مدرسة نظامية في الكويت عام 1912م؛ إذ رأى التجار أنها صرح مهم يجدر به الوجود منذ تلك الفترة المبكرة من بدايات القرن العشرين، ثم درس عامين في مدرسة الأحمدية، وكان حمد الصقر والد عبدالعزيز أحد الداعمين، والمساهمين في إنشائها عام1921م، نسبة إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح، وهي مدرسة نظامية أشرف عليها حمد العبدالله الصقر بنفسه، وسانده فيها الأعيان والوجهاء، وعين الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مديرا لها، والتحق بها عبدالعزيز لمدة عامين قبل انتقاله إلى كراتشي عام1924 م مع محمد ثنيان الغانم، الذي كان يعمل في ذلك الوقت مع خاله حمد عبدالله الصقر والد عبدالعزيز، وكان معه أخوه عبدالله الذي سبقه إلى الهند؛ لأنه كان أكبر منه سناً إلا أن الإقامة كانت في كراتشي فترة موسم العمل التجاري، التي تتراوح بين خمسة وستة أشهر، وتحديدا موسم التمور ابتداء من مطلع أغسطس من كل عام، إلى نهاية شهر مارس.

عبدالعزيز حمد الصقر مع التجار الهنود مطلع الأربعينيات
Ad


ويجب التنبه هنا إلى إصرار وحرص حمد الصقر والد عبدالعزيز على التعليم، وجعله منهاجا وطريقة، وأسلوب حياة من خلال توجيه أبنائه للتعلم، مما يؤكد أن الفكر المستنير كان حاضرا عند الكويتيين المتطلعين للثقافة الخارجية، وأضاف إليهم بعدا إصلاحيا جعلوه منهاجا لهم ضمن نطاق حرص وطني، وبشكل عام كانت الكويت بيئة حاضنة للشعور القومي، الذي رافق الشباب المتعلم المهتم بالصحف والمجلات آنذاك.

وفي كراتشي تولى مدرس هندي تعليم عبدالعزيز الصقر اللغة الإنكليزية، وتم تدريسه في البيت الذي يقيمون فيه، وبعد انتهاء الموسم التجاري عاد إلى الكويت ليستأنف الدراسة في مدرسة السيد عبد الوهاب الحنيان، كما تلقى علوم اللغة العربية على يد أستاذ النحو والصرف والدين عبدالرؤوف النابلسي، الذي استقدم من فلسطين خلال الأعوام 1924 – 1926م، وأقام عبدالعزيز في بومباي التي أرسله إليها والده؛ ليكون تحت رعاية أصدقائه آل فضل، وهم في الوقت نفسه وكلاء أعمال والده في كل من بومباي، وكراتشي، وكان الحاج إبراهيم العبدالله الفضل مقيما في بومباي، والحاج صالح العبدالله الفضل مقيما في كراتشي، وعائلة الفضل من الأسر النجدية، وهي من العائلات المشهورة المقيمة في الهند، ونظرا لصغر سن عبدالعزيز فقد أنزله الحاج إبراهيم في مسكن العائلة مع أولاده، الذين كانوا في مثل سنه، وقد التحق بمدرسة سانت ماري العليا Saint Mary’s High School، وهي إحدى أهم وأشهر المدارس في بومباي، وكانت تضم ما بين سبعمئة وثمانمئة طالب بجميع أقسامها.

وأوفده والده عام 1927م إلى ميناء بور بندر، الواقع في إحدى الولايات الهندية بين كراتشي وبومباي، وهو ميناء مهم جدا بالنسبة لتجارة التمور، وقد كان أهم مركز ترتاده السفن الشراعية المحملة بالتمور القادمة من البصرة، وفي الوقت ذاته كان المركز الرئيس لإدارة الأعمال بالنسبة لتجارة التمور المستوردة للهند بالسفن الشراعية، واستمر إيفاد عبدالعزيز من قبل والده طيلة ثلاث سنوات رفيقا لمحمد عبدالله السعد، وقد أمضى بعض الوقت في كراتشي لدى آل الفضل؛ لمتابعة سير الأعمال من دون أن يكون مسؤولاً عنها في تلك الفترة؛ نظرا لصغر سنه، وألقيت مسؤولية إدارة أعمال حمد عبدالله الصقر على عاتق محمد عبدالله السعد، الذي كان عبدالعزيز يساعده في الأمور الكتابية والمراسلات، وخصوصا اللغة الإنكليزية، وبالقدر الذي كانت تسعفه به معلوماته، وقد تعلم اللغة الهندية على يد معلم خاص. وكانت رغبة والده أن يتم تحصيله العلمي في الجامعة الأمريكية في بيروت، ولكن لظروف قاهرة لم يسمح لكليهما بتحقيق هذا الحلم، وفي أواخر عام 1929م سافر عبدالعزيز إلى بور بندر؛ لتكون مقر إقامته الرئيس، وليعهد إليه والده بجميع أعماله من بضائع، وما يختص بالتمور، وفي يناير عام 1930م توفي حمد عبدالله الصقر، فكانت من أصعب السنوات على عبدالعزيز، فهو لم يواجهها وحدها، بل رافقتها أزمة الكساد الاقتصادي الذي أصاب العالم، وكانت تجارة التمور كذلك، فكثر العرض، وقل الطلب؛ مما سبب هبوطاً حاداً في الأسعار، كما أنه أصبح منذ ذلك العام مسؤولا عن تجارة العائلة في الهند، وعلى مدى عشرين عاما تقريبا واصل عبدالعزيز السفر إلى الهند ابتداء من شهر أغسطس وامتدادا إلى أبريل؛ ليتابع الأعمال جميعاً في الهند، أو اليمن، أو الكويت، وآخر رحلة له إلى الهند كانت عام 1951م، حيث استقر بعد ذلك في الكويت، وكان ذلك نتيجة تغييرات كبيرة طرأت على المشهد السياسي هناك، منها استقلال الهند عام 1947م، وتقسيمها فيما بعد إلى الهند وباكستان في العام نفسه، وظهور النفط، وانتقال النشاط التجاري في الكويت من البحر إلى القطاع النفطي، بعد تصدير أول شحنة نفط عام 1946م.

حمد الصقر ومجلس الشورى عام 1921م

كان للأحداث الداخلية انعكاساتها المؤثرة التي ما لبثت أن أصبحت مطلبا شعبيا، قادت المشهد فيه النخبة المثقفة والتجار، فطالبوا بإنشاء مجلس للشورى منذ ذلك الوقت المبكر، ليس في تاريخ الكويت فحسب، بل في تاريخ إمارات الخليج العربي عموما.

ولعل الحروب التي خاضتها الكويت أرهقت الجميع من ناحية مادية ونفسية، وانعكس ذلك على الواقع الاقتصادي في البلاد، وعندما كان الشيخ أحمد الجابر ينوب عن عمه في المفاوضات مع ابن سعود بشأن إنهاء الحروب بين الطرفين، قام الشيخ يوسف بن عيسى القناعي حينئذ بإجراء حوارات منفردة مع وجهاء البلد؛ بهدف الوصول إلى صيغة مناسبة لتشكيل «مجلس مشاورة»، يعين الحاكم، ويساعده في الأمور المهمة، ويمنع الحروب التي وقعت في الفترة السابقة.

وبدأ بعض التجار، وعلى رأسهم حمد الصقر في مطلع عام 1921م، بمناقشات مستفيضة تداولوا فيها اقتراحا تم تبنيه، ومن ثم طرحه على الشيخ سالم المبارك، يتمثل في إنشاء وقيام مجلس ذي طبيعة عمل استشارية دائمة، يتألف من ست شخصيات من بينهم الشيخ أحمد الجابر.

وكانت هناك عريضة إصلاحية فوض بها وعن طريقها أهالي الكويت وجهاءها، وهي أول عريضة إصلاحية، واختير لهذه المهمة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي؛ لما له من رغبة صادقة في تأسيس هذا المجلس، وكانت الوثيقة موقعة من الوجهاء والتجار بأنهم «لا يرتضون ولا يقبلون إلا بالحاكم الذي يقبل بتشكيل مجلس الشورى».

عبدالعزيز الصقر عند وصوله إلى مطار بيروت وإلى جانبه ابن شقيقه محمد جاسم الصقر وسفير الكويت لدى لبنان محمد أحمد الغانم والقائم بالأعمال مهلهل المضف في الستينيات


وعلى العموم كانت العريضة قد تضمنت بنودا أهمها: إصلاح بيت الصباح؛ كي لا يحدث بينهم خلاف في تعيين الحاكم، وأن المرشحين منهم للحكم: الشيخ أحمد الجابر، والشيخ حمد المبارك، والشيخ عبدالله السالم، وأن تتفق عائلة الصباح على تعيين شخص يقبلونه، وإذا فوضوا الأمر للجماعة اختاروا الأصلح، ويرفع الأمر إلى الحكومة البريطانية للتصديق عليه، وأن يكون الحاكم المعين رئيسا لمجلس الشورى، الذي يتكون من عدد منتخب من آل الصباح، والأهالي لإدارة البلد على أساس العدل والإنصاف.

وبعد عودة الشيخ أحمد الجابر الذي اختير لحكم البلاد، اجتمع مع وجهاء الكويت في مجلس الشيخ خزعل، وتمت مبايعته، وأكد عزمه على تأسيس المجلس، وهكذا ظهر أول مجلس شورى في الكويت، وتعهد الشيخ أحمد الجابر أمام الجميع بألا يبت في أمر مهم، إلا بعد التشاور مع المجلس، وتصديق المجلس عليه.

وقد تم اختيار أعضاء المجلس عن طريق التعيين، وعددهم اثنا عشر عضوا، وهم: (حمد الصقر رئيسا، يوسف بن عيسى القناعي نائبا للرئيس، أحمد فهد الخالد، عبدالرحمن النقيب، مشعان الخضير، أحمد الحميضي، مرزوق داود البدر، شملان بن علي بن سيف، هلال فجحان المطيري، إبراهيم المضف، خليفة بن شاهين الغانم، عبدالعزير الرشيد)، كما نصت وثيقة ديوان ناصر البدر في الفقرة الرابعة على ألا يشارك فيه أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة.

وبعد ذلك اجتمع الشيخ أحمد الجابر بأعضاء المجلس؛ حيث تم وضع ميثاق خطي لتنظيم العلاقة بين المجلس والحاكم، إضافة إلى تنظيم أمور البلاد.

وكانت جلسات المجلس تعقد برئاسة حمد الصقر، ونائبه الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، واكتفى الشيخ أحمد الجابر بالحضور والاستماع، ولم يطبق من ناحية المبدأ الأخذ برأي الأغلبية عند التصويت؛ لذا فإن هذا المجلس لم يستمر طويلاً بسبب الخلافات الشخصية بين أعضائه، وبعد قرابة شهرين من انعقاده، حل نفسه تلقائيا.