شاء القدر أن تضاف «النكبات» إلى جملة من عناصر التماثل بين الكويت ولبنان، فهذان البلدان الصغيران في المساحة والواقعان في محيط جغرافية الكبار أصابهما من جراء كوارث القدر والجغرافيا أحداث صادمة وحّدت بينهما.

في الأمس، أي يوم الثاني من أغسطس 1990، أحيا الشعب الكويتي نكبة الغزو العراقي من بلد عربي استباح الجيرة، وحطّم الأعراف والشرعية ليدخل بصورة «محتل» إلى من يجمعه به روابط العروبة والانتماء، وفي الأمس أيضاً أحيا الشعب اللبناني الذكرى الثالثة «لنكبة المرفأ» وهو يئن تحت ضربات الفساد بكل أشكاله حتى وصل إلى القضاء.

Ad

خميس أسود، أربعاء أسود، بين الثاني من شهر أغسطس أو الرابع منه، لم يعد يهم بين «الاحتلال» على يد نظام عربي وتفجير «مدمر» لم يعرف بعد المتسبب فيه، ولن يسمح بالاقتراب منه، وهنا تكمن المفارقة.

بعد 33 سنة بقي الجرح غائراً في الذاكرة الكويتية، وإن انتزع هذا البلد حدوده المرسومة بقرارات دولية وسويت الكثير من الملفات الملغومة في حين لايزال لبنان يبحث ويسأل ويعاني مرارة التدمير وتغييب الحقيقة عن الناس.

هل ما تعرض له المرفأ سببه «الجغرافيا» أم «الجيرة»؟ لماذا لم يتم تسليم الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية بعد، وهي بالمناسبة صور روسية؟! ولماذا يجري التستر على الفاعل وإخفاء الحقائق بصورة مذهلة؟

الأسئلة لا تتوقف، وكأن المجتمع الدولي «متواطئ» بعد أن افتضح أمر السلطة القضائية، واختفى التحقيق الجنائي، ولم نعد نسمع بالقاضي طارق بيطار، ولسخرية القدر فقد تحول إلى مدّعى عليه!

تعبت الأغلبية الصامتة من اللبنانيين من القول: ممنوع محاسبة أي مسؤول أو تحميل المسؤولية لأي شخص؟ ليذهبوا مجدداً إلى «لاهاي» أو «جنيف» للمطالبة بلجنة دولية لتقصي الحقائق؟

تحقيقات «نكبة المرفأ» لحقت بمصير العديد من جرائم الاغتيال السياسية، فمن قام بالتفجير يا ترى؟ وما الجهة التي لجأت إلى تخزين النيترات؟ وهل إسرائيل بريئة؟ وهل التلحيم هو المسؤول؟ وهل المفرقعات النارية هي السبب؟

معقول أن تصاب المنظومة السياسية الحاكمة والمتحكمة بالقرار السياسي بالعمى، وليس باستطاعة جهة محايدة، معرفة من قام بتخزين 2750 طناً من نيترات الألومنيوم؟ أم أن التمييع ولفلفة الجرائم باتت سبة في جبين النظام السياسي القائم؟

هيروشيما بيروت، ليست حدثاً عادياً بل يسجل بكونه أضخم انفجار غير نووي عرفته البشرية في القرن الحادي والعشرين، جريمة انفجار المرفأ كانت تفترض إحداث زلزال سياسي من شأنه تغيير الصيغة الكاذبة للنظام!

لنراجع معاً الحصيلة: 2356 شهيداً، 7 آلاف جريح، 300 ألف مهجر، تدمير نصف العاصمة بيروت، وأضرار لحقت بـ90 في المئة من البنى التحتية، وخسائر المرفأ وحده تجاوزت 350 مليون دولار، عدا الخسائر الاقتصادية التي وصلت إلى 5 مليارات دولار، وتدمير 86 ألف وحدة سكنية ومؤسسة تجارية، تلك حصيلة جريمة تفجير مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس 2020، والفاجعة وبالرغم من جسامتها أبقت الطبقة السياسية محصنة من أي محاسبة أو مسؤولية، بل استماتت في تمييع القضاء وتعطيله!

وماذا بعد؟ كيف لبلد أن ينهض من جديد و«مؤسساته» مريضة بالفساد والمحسوبية بل تحتضر كل يوم، والقرارات الكبرى ليست بيد زعماء الطوائف، وصناعة لبنان الجديد لم تحن بعد، فالملف مركون على الرف، ولم يعد أولوية عند من يرسم التحالفات ويوجه لعبة الأطراف الإقليمية التي تنهش هذا الجسد اللبناني.