أولادكم ليسوا لكم!! *
هم ليسوا أولادها، بنات أو صبيان، لكنها بهم تعيش، وهم بها ربما يعرفون معنى أن تحب من لم تلدك من بطنها بعد تسعة أشهر، أو من هي ليست من عائلتك المباشرة أو القريبة، هم وهي لا شيء بينهم سوى كثير منها ومنهم وماذا بعد؟
لا شيء، لا هي تطلب أن يخلدوها، وهم يستطيعون ذلك، ربما علينا أن نستوعب أن ليست كل العلاقات هي رابطة دم كما يسمونها أو هي عائلية، بعضنا لم ينجب وبعضنا أنجب وآخرون أنجبوا وكان أبناؤهم ليسوا لهم، بل هم أبناء الحياة، كما قال جبران، وهنا نصه كما كتبه هو لا كما تصوره أبناء وسائل التواصل: «أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم... ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم... أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم... وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم... ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم... وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم».
كم من الأبناء لم تلدهم أنت أو هي؟ ربما بعضهم أو ربما كثيرون هم عندما تدنو المحن أو ما يشابهها من واقع قلبك تدرك أن العالم ليس هو رابطة دم أو قربى، وأن أبناءك أو ما يسمون نفسهم هكذا ليسوا جميعا من رحمك كامرأة أو منك كرجل!!!
علموك وكرروا أن أدوارك في الحياة إما هي امرأة تنجب أطفالا أو هو رجل ينجب أطفالا أيضا، ولكن ليس بعد أن يحملهم في بطنه تسعة أشهر، بل أن يغرسهم وأحيانا كثيرة يرحل قبل أن يجني ما غرس!!!
علموك أن دروك في الحياة أن تكون أباً أو أماً لا ثالث لهما، ومع مرور السنين عرفت أن هناك أدواراً أخرى لمن لم يحمل تسعة أشهر أو من لم يربِّ أطفالاً ويطعمهم باسم الأبوة أو الأمومة، فهناك من هي أم ولم تلد وهناك من هو أب أيضا ولم يكن من يناديه بذلك هم أطفاله.
شيء ما مر سريعا دون أن يفهمه أو يستوعبه أحد أن كثيراً من الأمهات والآباء لا يستحقون تلك الألقاب أو التسميات لمجرد أنهم ساهموا في خلق ذلك المخلوق الجميل... نعم لا يمكن أن يكون إلا هناك مخلوق بجمال الخالق وليس وسائله!!
هي لم تحمل أبداً ولم تعرف معنى الحمل، ولذلك غرقت في بحر من التساؤلات عن معنى الأمومة عندما طلب منها أن تعتني بذلك المخلوق الجميل الذي لم يكن يتيماً ولا سارحا ضائعا، بل ضاع فقط بين ثقافتين ولم يفهم أهله أو أهلها ذلك، فكان عليها أن تلملم ما ضاع بين الفواصل وتحاول أن تنقذ أجمل ما خلق الرب قبل أن تضيعه طبيعة البشر المغمسة بالشر، ببعض الفطرة وكثير من الإيمان بأن الحب يصنع كثيراً من المعجزات، قامت بذلك الحمل الذي بدا في لحظات صعباً أو ربما مستحيلاً.. خطوة من هنا وخطوات من هناك المحاطة بالحب الذي هو سر الأسرار، مضت الأمور وتحولت هي إلى أم لم تلد أبداً، ولم تعرف معنى الأمومة التي تتحدث عنها، كتب وتكتب عنها رسائل في معنى الأمومة... مضت الأيام أحيانا بثقل وأحيان بضحك ومحبة، وأصبحت هي فجأة الأم التي لم تلد أبداً، ولم تعرف معنى أن تكون أماً كما يصفها بعض العرب، أو حتى كثيرا من اللا عرب الذين أبدعوا في روايات وأفلام وصلت إلى هوليوود عن المرأة التي لم تسع لأن تكون أماً، ففرض عليها وكان أن قبلت ببعض الصعوبات، وفجأة كما كل النساء استطاعت أن تكون أماً لكل الكون لا لفتاة أخرى أو فتى... هكذا هن النساء ربما مجبرات على أن يكن الحضن، هن الحضن والدفء المتبقي في حياة وزمن مليء ببرد في عز صيف ساخن.
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.