العالم يغلي والمحافظون البريطانيون يرفعون الحرارة

نشر في 07-08-2023
آخر تحديث 06-08-2023 | 19:01
 إندبندنت .

لن تصدق ذلك، في وقت يشير المناخ بشكل أقوى من أي وقت مضى إلى أنه من الأجدر بنا الإبقاء على الوقود الأحفوري في باطن الأرض والكف عن استخراجه، أعلنت حكومة المملكة المتحدة اليوم أنها ستصدر مئات التراخيص الجديدة التي تسمح بالتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال.

لم تكتفِ درجات الحرارة التي ضربت شتى أنحاء العالم بتحطيم الأرقام القياسية فحسب، بل تخطتها بأشواط، حيث تشهد أجزاء مختلفة من المعمورة الآن حرائق الغابات الأخطر على الإطلاق، ونظام التيارات المسمى «دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي» اختصاراً (AMOC)، علماً أنه عنصر رئيس في نظام «تيار الخليج» Gulf Stream، ربما يقترب بشكل خطير من الانهيار.

الأمن الغذائي العالمي هش إلى حد يبعث على قلق شديد، على ما يكشف حظر فرضته الهند أخيراً على بعض صادراتها من الرز (الرز الأبيض باستثناء بسمتي). «الأمم المتحدة» و«وكالة الطاقة الدولية» والآلاف من علماء المناخ واضحون كل الوضوح: لا مجال لأي استخراج جديد للوقود الأحفوري إذا أردنا أن نحتفظ بأدنى أمل في درء الانهيار المناخي، كذلك حذر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، قبل ثلاثة أيام فقط من أن «عصر الغليان العالمي قد حل».

في الواقع، يبدو الغليان توصيفاً مناسباً، فحالنا الآن حال الضفدع الذي صار مضرباً للمثل إذ بقي في قدر من مياه تغلي على نحو بطيء، ولم يدرك أن التغير التدريجي في ارتفاع درجة الحرارة الذي كان يتأقلم معه سيسلبه حياته، لا نتصدى للحالة المزرية التي نواجهها إلا بعد فوات الأوان، وبدلاً من الاستجابة لتحذيرات علماء المناخ، بل في الحقيقة تحذيرات الكوكب نفسه، تزيد حكومة المملكة المتحدة تدفق مستوى الغاز تحت هذه القدر.

يبدو أن الحكومة البريطانية تضع المصالح الاقتصادية قصيرة الأجل لشركات النفط والغاز فوق قدرة مواطنيها على البقاء، ومن وجهة نظري، تجدها تتوسل حججاً ضعيفة حول تعزيز «الأمن في مجال الطاقة» و«النمو الاقتصادي» بغية تحقيق مصالحها الخاصة.

في اعتقادي، سيترتب عن إصدار هذه التراخيص إطلاق ملايين الأطنان الإضافية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأبرزها ثاني أكسيد الكربون والميثان...، ويعبد الطريق نحو مستقبل لا يبشر بالحياة. ومع ذلك، تكذب الحكومة إذ تدعي أن عدم منح التراخيص سيؤدي إلى ارتفاع فواتير الطاقة بشكل أكبر، ويقود إلى انعدام أمن الطاقة، ويلحق الضرر بالاقتصاد. أعلم أن أياً من هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.

الصحيح أن تراخيص التنقيب عن النفط والغاز، لن تقلص قيمة فواتير الطاقة، ذلك أن كلفة النفط والغاز تحددها في الغالب أسعار الطاقة على الصعيد الدولي، علماً أنه لا تأثير يُذكر لإنتاج النفط في المملكة المتحدة عليها، حتى أن وزير المالية البريطاني السابق كواسي كوارتنغ، غرد في فبراير 2022 بأن زيادة إنتاج النفط والغاز في المملكة المتحدة «لن تؤثر في سعر سوق الجملة»، وأن «المنتجين في المملكة المتحدة لن يبيعوا الغاز بأقل من سعر السوق. ليسوا جمعيات خيرية».

إذا كانت الحكومة البريطانية قلقة حقاً بشأن أسعار الطاقة فستعمل جاهدة من أجل خفض الطلب على استهلاك الطاقة، عن طريق مثلاً العمل على أن تكون المباني السكنية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتحديث وسائل النقل العام لدينا.

كذلك الأجدر بها العمل على تحقيق زيادة كبيرة في إنتاج الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية، والتي تعد فعلاً أرخص ثمناً مقارنة بالوقود الأحفوري، وفق تحليل نهض به الموقع الإلكتروني المتخصص في علوم وسياسة تغير المناخ «كربون بريف»، أما التمويل فيتوافر عن طريق تحويل مليارات الجنيهات الإسترلينية التي تدفعها الحكومة حالياً لدعم الوقود الأحفوري، أضف إلى ذلك أن هذا المجال يشكل طبعاً فرصة عظيمة لخلق فرص عمل: وظائف مفيدة، ذات آفاق طويلة الأجل.

في المتوسط، سيمر 28 عاماً على منح التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز قبل البدء بتدفق الإمدادات، لذا لا تجدي هذه الطريقة نفعاً في زيادة إنتاج الطاقة على المدى القصير، ولكن بإزالة المملكة المتحدة الكربون من البنية التحتية لقطاع الطاقة، سيتراجع الاعتماد على النفط والغاز المستورد، بغض النظر عن منح هذه التراخيص من عدمها.

وبحلول الوقت الذي يبدأ فيه تشغيل حقول النفط الجديدة، ينبغي أن تكون المملكة المتحدة قد توقفت في الغالب عن استخدام الوقود الأحفوري، مما يجعل من حقول النفط هذه أصولاً عالقة على الأرجح، ويترك عمال الحكومة المقدر عددهم بـ50 ألف عامل من دون عمل. في المقابل، قدرت «اللجنة المعنية بتغير المناخ» أن التحول إلى الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة يخلق ما يصل إلى 725 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 2030. بناء عليه، يبدو لي أن الدفاع عن استخراج الوقود الأحفوري الجديد على أساس توفير فرص عمل جديدة ليس إلا ضرباً من الوهم.

بطبيعة الحال، ستكون إمدادات النفط والغاز المنتجة من حقول النفط تلك ملكاً للجهات التي حازت التراخيص، علماً أن كثيراً منها شركات متعددة الجنسيات مقرها خارج المملكة المتحدة، فوفق مجموعة «أبليفت» Uplift، نحو 80 في المئة من الإنتاج النفطي الحالي في بحر الشمال يجد طريقه إلى التصدير. حتى خلال أزمة الطاقة في عام 2022، زادت المملكة المتحدة بشكل كبير من صادرات الغاز.

لكن بعد ذلك، مؤكد أن غرانت شابس، ومن المفارقة أنه «وزير الدولة لأمن الطاقة وهدف الصافي صفر»، والحكومة البريطانية، على معرفة بذلك كله؟ من واقع مشاهداتي، بدلاً من الاستماع إلى أدلة دامغة تؤكد أن التراخيص لا تنطوي على فائدة قصيرة أو طويلة الأجل، بل على ضرر يتعذر إصلاحه، يطاول حياة ملايين الأشخاص وسبل عيشهم، ارتأى هؤلاء استخدام هذه القضية كسلاح بغية تحقيق مكاسب سياسية.

إذا كان لنا أن نأمل في التصدي للانهيار المناخي، فالأجدر بنا أن نعمل أكثر على وضع هذا الشكل من التلاعب الجلي بالرأي العام تحت المساءلة، وعلينا جميعاً أن نصرخ بأعلى الصوت عندما نشك في أننا نتعرض لتضليل على هذه الشاكلة.

* مايك بيرنرز لي مستشار بيئي وبروفيسور في المستقبل الاجتماعي في «جامعة لانكستر».

back to top