في هذه الأيام من كل عام نستذكر يوم الدستور، وفي هذا العام تحل الذكرى الـ 60 على ‏وضع الدستور الكويتي تلك الوثيقة التي ارتضاها الآباء المؤسسون للدولة الحديثة.

وعندما نستذكر ‏الدستور لا بد أن نستذكر معه إحدى الشخصيات الاستثنائية على مر تاريخ الكويت، ألا وهو الشيخ ‏عبدالله السالم الصباح، يرحمه الله، رئيس الدولة وحاكمها، والذي كانت إرادته سبَّاقة لوضع ذلك الدستور، ‏من خلال الدستور الانتقالي الذي تم وضعه بطريقة المنحة من قبل الشيخ عبدالله السالم، يرحمه ‏الله، والذي يُعد النواة الأولى التي مهَّدت الطريق للدستور الحالي، حيث نص الدستور الانتقالي في ‏المادة الأولى على أن يتم انتخاب مجلس تأسيسي من قِبل الشعب مباشرة لوضع دستور دائم للدولة، ‏وهو ما حدث فعلاً، حيث ذهب أهل الكويت في حينها لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي، والمكوَّن من ‏20 عضواً.

وقد كان للشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، دور مؤثر في وضع الدستور، بل كان وسيلة ‏بعد الله، عز وجل، لحل الخلافات التي نشبت بين أعضاء المجلس التأسيسي، وعلى سبيل المثال لا ‏الحصر عندما اختلف أعضاء المجلس التأسيسي حول مسألة إنشاء الأحزاب في الكويت، حيث رفض ‏البعض فكرة الأحزاب، فيما أصر عليها البعض الآخر، وأمام هذا الخلاف لجأ أعضاء المجلس ‏التأسيسي إلى الشيخ عبدالله السالم، الذي حسم ذلك الخلاف برأي سديد ينمّ عن عقليته ‏السياسية وعن شخصيته التي سبقت عصره، حيث ذهب إلى ألا ينص الدستور على موضوع ‏الأحزاب، وفي ذات الوقت لا يتم منعها أيضاً، ويترك الأمر للأجيال القادمة في المستقبل، بحيث ‏إذا رأت ذلك، فإنه يتم تنظيمها عن طريق القانون.
Ad


وطالما الحديث هنا عن الشيخ عبدالله السالم، يرحمه ‏الله، فلا بد أن نشير إلى موضوع مهم، وهو زعم البعض أن الشيخ عبدالله السالم وضع الدستور تحت ‏وطأة ضغط الإنكليز، ونعتقد أن مثل ذلك الزعم فيه مجافاة للحقيقة وظلم بيِّن للشيخ عبدالله السالم، ‏ولا بد من الرد عليه، إنصافاً للتاريخ ولشخص عبدالله السالم، يرحمه الله، وذلك على النحو التالي:‏

‏1- الدستور الكويتي من الدساتير التي أعطت مجلس الأمة سُلطة تشريعية كاملة، إضافة إلى ‏مساءلة السُّلطة التنفيذية وغيرها من السُّلطات المهمة، وكان بإمكان الشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، أن ‏يأتي بدستور خلاف ذلك، بحيث تكون السُّلطة الحقيقية بيد الحاكم، إلا أن الشيخ عبدالله السالم ترك ‏ذلك الأمر للمجلس التأسيسي، وهو ما تؤكده محاضر ومناقشات ذلك المجلس.‏

‏2- التاريخ السياسي للشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، يكشف لنا الحس الديموقراطي الذي يتمتع به، ‏حيث لعب دوراً مهماً وأساسياً بشأن انتخاب أول مجلس تشريعي مُنتخب في تاريخ الكويت، والذي ‏عُرف بمجلس 1938، حيث كان مناصراً لمطالب الكتلة الوطنية في ذلك الوقت، خصوصاً فيما ‏يتعلق بضرورة وجود مجلس تشريعي مُنتخب يمثل أهالي الكويت، وهو الأمر الذي يؤكد إيمان الشيخ ‏عبدالله السالم بالعمل الديموقراطي. ‏

‏3- الإنكليز ليس من مصلحتهم وجود برلمان يمثل الأمة تمثيلاً حقيقياً، ويمتلك سُلطات دستورية ‏مهمة من شأنها تهديد مصالحهم في الكويت، وتاريخ الكويت يشهد بذلك، حيث إنه من أحد أسباب ‏حل المجلس التشريعي عام 1938هو تهديد ذلك المجلس لمصالح الإنكليز، إذ أوعزوا إلى ‏حل ذلك المجلس.‏

وبناءً على الشواهد السابقة، والتي تؤكد بكل حق أن الشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، كان من ‏المبادرين الذين لهم الفضل بعد الله، عز وجل، بوجود دستور 1962، حيث كان يرى أن الكويت ‏تستحق الأفضل، وأن أبناءها أهل للمشاركة في الحُكم وصُنع القرار، وكأن لسان حاله يردد قول ‏الشاعر:‏

‏ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه ‏ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

رحم الله الشيخ عبدالله السالم، وأسكنه فسيح جناته.‏