واصلت أسعار النفط مكاسبها اليوم، لتلامس أعلى مستوياتها منذ منتصف أبريل بعدما تعهدت السعودية وروسيا، وهما من كبار منتجي النفط، بمواصلة خفض الإمدادات شهراً آخر بهدف استمرار موازنة الأسواق العالمية ودعم الأسعار.

وزادت العقود الآجلة لخام برنت 25 سنتاً أو 0.3 في المئة إلى 86.49 دولاراً للبرميل، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 23 سنتاً أو 0.3 في المئة إلى 83.05 دولاراً للبرميل.

Ad

وسجل الخامان مكاسب لسادس أسبوع على التوالي في الأسبوع الماضي، وهي أطول فترة مكاسب منذ ديسمبر 2021 ويناير 2022.

وتلقت الأسعار دعماً بفضل عدة عوامل في الأسابيع القليلة الماضية، تشمل توقعات بخفض وتيرة رفع الفائدة الأميركية وتخفيض إمدادات «أوبك+» وآمال تحفيز انتعاش الطلب على النفط في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، بعد تعثر في الربع الثاني.

ومددت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم يوم الخميس تخفيضاتها الطوعية للإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية سبتمبر، وأشارت إلى أنها قد تمددها مجدداً أو تزيد مقدار الخفض. وسيكون إنتاج المملكة في سبتمبر حوالي تسعة ملايين برميل يومياً.

كما قالت روسيا الخميس الماضي، إنها ستخفض صادرات النفط بمقدار 300 ألف برميل يوميا في سبتمبر. وتضافرت العديد من العوامل لتُغير الصورة في سوق النفط العالمي بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الستة الماضية.

وبعد أن كانت أسعار النفط تعاني هبوطاً قوياً لتتداول قرب أدنى مستوياتها في عام، تحولت للصعود الحاد في الأسابيع الماضية لتحقق مكاسب تقارب 20% منذ منتصف يونيو الماضي.

تحوّل حاد للأسعار

وارتفعت أسعار النفط عند تسوية تعاملات الجمعة الماضية لأعلى مستوى منذ منتصف شهر أبريل الماضي، في وقت نجح سعر خام برنت تسليم شهر سبتمبر في تجاوز مستوى 86 دولاراً للبرميل بنهاية الأسبوع الماضي، وصعد خام برنت تسليم الشهر التالي بنحو 14 دولاراً أو ما يعادل 20 بالمئة منذ القاع المسجل في منتصف يونيو.

وواصلت أسعار النفط الصعود للأسبوع السادس على التوالي، في أطول موجة مكاسب أسبوعية في أكثر من عام.

وحقق الذهب الأسود ارتفاعاً يتجاوز 13 بالمئة في شهر يوليو الماضي، قبل أن يواصل الصعود في أول 4 أيام في شهر أغسطس.

وتسببت المكاسب القوية للنفط في الأسابيع الأخيرة في محو كل خسائره منذ بداية العام، والتي وصلت في منتصف يونيو الماضي إلى أكثر من 16 بالمئة.

وأصبح خام برنت مرتفعاً بنحو 0.4 بالمئة منذ بداية العام الحالي حتى تسوية الجمعة الماضية.

ضعف الإمدادات

وساهم شُح الإمدادات في صعود أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة، وسط توقعات بنقص المعروض من الخام.

وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أقر الاجتماع الوزاري لمجموعة «أوبك+» الحفاظ على سياسة إنتاج النفط دون تغيير، لكن اللجنة أشارت إلى إمكانية اتخاذ أي تدابير إضافية في أي وقت.

وجاء قرار اللجنة بعد أيام قليلة من إعلان السعودية تمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط والبالغ مليون برميل يومياً للشهر الثالث ليشمل نهاية شهر سبتمبر المقبل.

وذكرت وزارة الطاقة السعودية أن الخفض الطوعي لإنتاج النفط قد يتم تمديده مجدداً أو تعميقه مع التمديد.

كما قررت روسيا خفض صادراتها من النفط بمقدار 300 ألف برميل يومياً في الشهر المقبل، بعد خفض 500 ألف برميل يومياً في أغسطس.

وأشار محللو بنك «يو بي إس» إلى أنه بعد قرار تمديد السعودية للخفض الطوعي للإنتاج، فإنهم يتوقعون عجزاً في سوق النفط يتجاوز 1.5 مليون برميل يومياً في شهر سبتمبر، بعد تقديرات بعجز مليوني برميل في شهري يوليو وأغسطس.

وجاءت قرارات السعودية وروسيا بعد تدابير معلنة من جانب «أوبك+» في شهر يونيو الماضي لتمديد خفض إنتاج النفط حتى العام المقبل.

وتبرز مخاوف نقص المعروض أيضاً مع الهبوط القوي لمخزونات النفط، إذ تراجعت مخزونات الخام في الولايات المتحدة بوتيرة قياسية بلغت 17 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 28 شهر يوليو الماضي.

وعلى جانب موازٍ، واصلت المنصات الأميركية للتنقيب عن النفط تراجعها، حيث هبطت بنحو 96 منصة منذ بداية العام الحالي حتى نهاية الأسبوع الماضي.

تفاؤل حذر بشأن الطلب

ويبدو الوضع المتعلق بالطلب العالمي على النفط متبايناً في الوقت الحالي، مع التفاؤل الحذر بشأن قرب نهاية دورة التشديد النقدي من جانب البنوك المركزية ووضع الاقتصاد العالمي.

وتشير توقعات الأسواق المالية إلى أن رفع الفائدة الأميركية من جانب مجلس الاحتياطي الفدرالي في شهر يوليو الماضي كان الأخير، مع بيانات تشير إلى تباطؤ سوق العمل والتضخم.

بينما يبدو الأمر مختلفاً بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا، مع توقعات باستمرار رفع الفائدة للسيطرة على التضخم.

كما تبدو صورة آفاق الاقتصاد العالمي متباينة، مع توقعات بتجنب الركود لكن مع تباطؤ النمو.

وخفض «غولدمان ساكس» توقعاته لاحتمالية ركود الاقتصاد الأميركي إلى 20% مقارنة بـ55% في مارس الماضي، كما أوضح «جيه بي مورغان» أنه لم يعد يتوقع ركوداً في الولايات المتحدة هذا العام، ورفع صندوق النقد توقعاته للنمو العالمي.

وفي حين أظهرت بيانات أن الاقتصاد الأميركي أضاف عدد وظائف أقل من المتوقع في شهر يوليو الماضي، فإن معدل البطالة تراجع قرب أدنى مستوى في نصف قرن.

لكن على الجانب الآخر، قالت شركة الاستثمار «إي إن جي» إن بيانات معهد الإمدادات الأميركي تشير إلى أن النشاط الصناعي في حالة ركود، بينما يعاني قطاع الخدمات توقفاً عن النمو.

كما واصل النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو تدهوره في شهر يوليو الماضي، ليسجل مؤشر مديري المشتريات المركب أدنى مستوى في ثمانية أشهر عند 48.6 نقطة.

وفي الصين، لا يزال وضع الطلب على النفط يمثل عاملاً سلبياً للسوق، وسط تعهد البنك المركزي بتوجيه المزيد من الموارد المالية إلى الاقتصاد الخاص، وسط ضعف للزخم الاقتصادي مؤخرًا.

وقال جيانان صن المحلل في «إنرجي أسبكتس» إنه من المحتمل أن يكون الطلب الصيني على النفط لهذا العام قد وصل إلى ذروته عند 16.4 مليون برميل يومياً في الربع الثاني.

وتوقع نائب رئيس الوزراء الروسي «ألكسندر نوفاك» بعد اجتماع للجنة الوزارية في تحالف «أوبك بلس» الأسبوع الماضي نمو الاستهلاك العالمي من النفط بمقدار 2.4 مليون برميل يومياً هذا العام.

ويقدر محللو «ستاندرد تشارترد» أن الطلب العالمي على النفط سيصل لمستوى قياسي في الشهر الجاري، قبل أن يرتفع لقمة جديدة في ديسمبر المقبل، مع استمرار الصعود في فبراير ومارس ويونيو وأغسطس 2024.

كما قدر محللو «غولدمان ساكس» أن الطلب العالمي على النفط ارتفع لمستوى قياسي جديد عند 102.8 مليون برميل يومياً في شهر يوليو الماضي.

نقص المعروض يتحدى مخاوف النمو

قال محللو بنك «ستاندرد تشارترد» إن شهري أغسطس وسبتمبر سيشهدان أكبر عجز في سوق النفط هذا العام، مع احتمالية استمرار العجز حتى الربع الأول من العام المقبل.

كما توقع بنك «يو بي إس» وصول خام برنت القياسي لمستوى يراوح بين 85 و90 دولاراً للبرميل في الأشهر المقبلة.

ويتوقع نموذج الطلب الخاص بالبنك عجزاً في المعروض النفطي بمقدار 2.81 مليون برميل يومياً في أغسطس الجاري و2.43 مليون برميل في سبتمبر المقبل، إضافة إلى نقص يتجاوز مليوني برميل في شهري نوفمبر وديسمبر.

ويعتقد «ستاندرد تشارترد» أن المخزونات العالمية من النفط ستتراجع بنحو 310 ملايين برميل بنهاية العام الحالي وبنحو 94 مليون برميل إضافية في الربع الأول من 2024، ما سيدعم ارتفاع الأسعار.

وذكر «غولدمان ساكس» أن الطلب العالمي القوي سيدفع العجز في سوق النفط لتسجيل 1.8 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من هذا العام و0.6 مليون برميل يومياً في العام المقبل.

لكن البنك الأميركي حافظ على توقعاته لأسعار النفط عند 93 دولاراً في الاثني عشر شهراً المقبلة، مع تعويض قوة المخزونات للطلب المدعوم من تحسن آفاق الاقتصاد العالمي.

وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت وجود عجز في سوق النفط يبلغ 1.7 مليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من هذا العام.

وفي حين تحافظ شركة «إيه إن زد ريسيرش ANZ Research» على السعر المستهدف لخام برنت عند 100 دولار للبرميل بنهاية العام الجاري، فإنها أشارت إلى وجود رياح معاكسة على جانب الطلب.

وأشار محللو شركة الأبحاث إلى أنه في حين ظلت البيانات إيجابية في الصين خلال الربع الثاني، يظل الاقتصاد مقيداً بضعف النشاط الصناعي والأزمات في قطاع العقارات.

ويعتقد محللو «إيه إن زد» أن قرارات «أوبك» بشأن الإمدادات أدت وظيفتها ودعمت استقرار السوق، لكن إنهاء هذه الاتفاقيات في نهاية المطاف خلال الستة إلى الاثني عشر شهراً المقبلة سيخفف من نقص المعروض الحالي.

بينما كشف مسح لوكالة «رويترز» شارك فيه 37 اقتصادياً ومحللاً أن متوسط سعر خام برنت قد يسجل 81.95 دولاراً للبرميل في العام الحالي و83.67 دولاراً في العام المقبل.

ويرى المشاركون في المسح أن ضعف النمو الاقتصادي سيقلص الطلب على النفط ويعوض أثر خفض الإنتاج من جانب تحالف «أوبك+».

(رويترز وأرقام)