كان رئيس النيجر محمد بازوم جالساً في غرفته في الفندق اللندني، حيث أتى لحضور حفل تتويج الملك تشارلز الثالث، عندما أخبرني كيف أصبحت بلاده شريكاً رئيساً للغرب، في منطقة محاصرة بـ«الجهاديين» ومرتزقة «مجموعة فاغنر» الروسية، والأنظمة العسكرية غير المستقرة في القارة.

ويبدو الأمر جلياً نظراً إلى فورة الاجتماعات الرفيعة المستوى، فقد زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن النيجر، وكان من المقرر أن يتبعه وزير الدفاع لويد أوستن، وقيل إن وزراء بريطانيين يخططون لزيارة تلك الدولة الإفريقية، وكان بازوم قد التقى في باريس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليكون أحد رؤساء الدول الإفريقية القلائل من خارج دول الكومنولث الذين حضروا تتويج ملك بريطانيا.

Ad

وفي حين كان الرئيس بازوم يستعد للمغادرة إلى كاتدرائية «وستمنستر»، قال «نعي تماماً المخاطر في منطقتنا، وهناك محاولات مستمرة لزعزعة استقرار حكومتنا ومجتمعنا، لكن بمساعدة شركائنا الغربيين، من خلال الاستثمار والتعليم، فأنا على ثقة في أنه يمكننا الحفاظ على الديموقراطية في بلدنا».

كان ذلك قبل نحو تسعة أسابيع فقط، لكن تم جر النيجر إلى أتون الاضطرابات التي تجتاح تلك المنطقة من غرب إفريقيا، مع الانقلاب العسكري الذي قام به الحرس الرئاسي الخاص بأزوم عليه، وأخذه رهينة، بعدما حاصر مقر إقامته والوزارات الحكومية.

إلا أن فروعاً أخرى من القوات المسلحة في النيجر، رفضت حتى الآن دعم الانقلاب، وخرجت حشود إلى شوارع العاصمة نيامي للتعبير عن دعمها للرئيس البالغ من العمر 64 سنة، ومع ذلك، أفادت تقارير بأن الجنود الذين كانوا يحتجزونه فتحوا النار على المحتجين لتفريقهم.

وقد سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى إدانة التمرد، محذرة من احتمال نشوب صراع داخلي عنيف، وأصدر الفصيل الموالي للجيش إنذاراً للمتمردين بأنهم سيواجهون رداً مسلحاً ما لم يتراجعوا عن خطوتهم.

وأكد وزير الخارجية الأميركي بلينكن لرئيس النيجر «الدعم الثابت» من جانب الولايات المتحدة، وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إن حكومتها تراقب الوضع من كثب، وتنظر في طرق الاستجابة التي تعتزم اتخاذها، أما الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، فشدد على أن النيجر هي «شريك أساسي» للكتلة، وأن «زعزعة الاستقرار لن تخدم مصلحة أحد»، وفي لندن، دان وزير الدولة للشؤون الخارجية أندرو ميتشيل بأشد العبارات «أي محاولة لتقويض الاستقرار والديموقراطية في النيجر».

لا شك أن الوضع في النيجر غير مستقر، نظراً إلى وجود فروع لكل من تنظيمي «القاعدة» و«داعش» على أراضيها، إضافة إلى انتشار الأنظمة العسكرية التي تحكم سيطرتها على الدول المجاورة لها.

لكن ما يثير القلق بشكل خاص هو هذه النقطة الأخيرة المتمثلة في محاولة الانقلاب التي قامت بها «مجموعة فاغنر» التابعة ليفغيني بريغوجين في روسيا، ورغم فشل الانقلاب، فقد واصلت عمليات «فاغنر» نجاحاتها الفائقة في إفريقيا، بدعم من الكرملين.

وبحسب ما ورد، فإن بريغوجين- الذي وصفه فلاديمير بوتين بأنه خائن في تمرده ومحاولة الانقلاب عليه في موسكو، والذي حظي لاحقاً بعفو عندما ألغى محاولة الانقلاب- كان يحضر المنتدى الروسي الإفريقي في مدينة سانت بطرسبورغ الخميس الماضي.

تجدر الإشارة إلى أن الدولتين المجاورتين للنيجر، وهما مالي وبوركينا فاسو، شهدتا انقلابات عسكرية، وكلتاهما تهيمن عليهما «مجموعة فاغنر»، كما هي الحال في أجزاء أخرى من القارة، تحديداً في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق وليبيا.

أما النيجر التي تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة المملكة المتحدة، ويصل عدد سكانها إلى 27 مليون نسمة، فتعاني مستويات هائلة من الفقر المدقع، وقد عاينت بنفسي الآثار الرهيبة للحرمان أثناء كتابة تقريري عن المجاعة في النيجر، وتأثير أزمة المناخ في ما تكشف ميدانياً.

فهي في الواقع إحدى أكثر الدول تضرراً من أزمة المناخ في غرب إفريقيا، وترتفع درجات الحرارة في مناطقها الساحلية بنحو مرة ونصف أسرع من أي مكان آخر في العالم، وأدى شح الأمطار فيها والجفاف إلى تصحر نحو 15 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة.

في المقابل، تمتلك النيجر ثروات معدنية هائلة، وتسهم بنسبة 7% من إمدادات اليورانيوم في العالم، وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة- أثناء الفترة التي سبقت غزو العراق- قد أطلقتا ادعاءات زائفة لا تنسى، بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان يسعى إلى الحصول على كعكة اليورانيوم الصفراء من النيجر، لتعزيز برنامجه لتصنيع أسلحة الدمار الشامل.

وتتنوع المصالح التجارية لـ«مجموعة فاغنر» في إفريقيا، ما بين النفط والغاز والبوكسيت والذهب، ويعتقد على سبيل المثال، أن الشركة تتلقى مدفوعات من حكام بوركينا فاسو العسكريين على شكل حقوق في أحد مناجم الذهب، كذلك فإن مالي، التي توغل فيها مرتزقة «فاغنر» بدعوة من النظام العسكري لتولي زمام الحكم والحلول مكان القوات الفرنسية وسائر القوات الغربية المغادرة، تمتلك هي الأخرى احتياطات كبيرة من الذهب.

اتهمت «اللجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني» Commons Foreign Affairs Select Committee قبل أيام الحكومة البريطانية بالإهمال والفشل في مراقبة أنشطة «مجموعة فاغنر» ومعاملاتها المالية في إفريقيا، على امتداد عقد من الزمن، مما ساعدها على جمع ثروات هائلة، فيما دعت إلى فرض عقوبات جديدة عليها.

وقال لي بازوم خلال زيارته إلى لندن إن «فاغنر حاضرة بقوة في منطقتنا، وهي منتشرة في ليبيا التي لا تزال تشهد اضطرابات كبيرة، وتشكل جسراً يتم من خلاله إرسال أسلحة إلى إسلاميين في بلدان أخرى منذ سقوط (معمر) القذافي».

وأضاف «ما الفائدة التي أسهمت فيها ’فاغنر‘ بالنسبة إلى مالي؟ لا فائدة على الإطلاق، وليس لدينا بالتأكيد أي نية بدعوتهم إلى بلدنا، إنهم يثيرون مشكلات (وهم) لا يحلونها، نحن ندرك تماماً أنهم شاركوا في حملات تضليل ضدنا».

وقد ادعى منشور مزيف على مواقع التواصل الاجتماعي أن بازوم تعرض لانقلاب أثناء زيارته لماكرون في باريس، في حين ذكر منشور آخر أن الفرنسيين سلحوا مجموعة من «الجهاديين» قتلت 17 عنصراً من القوات المسلحة في النيجر في الوقت نفسه تقريباً، وقد تم تتبع مصدر هذين المنشورين اللذين نسبا إلى مشروع «لاختا» Lakhta الممول من قبل «بريغوجين، والذي كانت الولايات المتحدة قد فرضت عليه عقوبات منذ عام 2018.

يبقى أن ننتظر لمعرفة كيف سينتهي الانقلاب في النيجر والنتائج التي سيتمخض عنها، فرغم وجود الرئيس بازوم في الأسر، ما زال يتمسك بروح من التحدي عبر عنها في إحدى تغريداته بالقول: «نحن عازمون على الحفاظ على الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس، وسيحرص جميع أبناء النيجر الذين يسعون إلى الديموقراطية والحرية على تحقيق هذه الغاية».

في غضون ذلك، قد يتغلب الرئيس على الوضع الراهن، وذلك اعتماداً على الدعم الذي قد يقدمه له السكان وبقية عناصر الجيش، لكن هناك احتمال أيضاً بألا تجري الأمور على هذا النحو.

وقد حذر وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال زيارته لنيامي، من التأثير الخبيث لـ«مجموعة فاغنر»، مشيراً إلى أنه «أدى إلى نتائج سيئة وغير حميدة في الأماكن التي وجدت فيها».

لكن السؤال يبقى أخيراً عن الإجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة والغرب الآن في النيجر؟ فمع احتمال وصول نظام عسكري آخر إلى السلطة في هذه المنطقة المضطربة من القارة، هناك مخاوف من تصاعد نفوذ «فاغنر» في مختلف أنحاء إفريقيا.

* كيم سنغوبتا