مع تحوّل لبنان ساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية وعودة قادته إلى الاصطفاف السياسي مجدداً، وجهّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمس رسالة نارية إلى أمين حزب الله حسن نصرالله ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، هدد فيها بمهاجمة كل شبر من الأراضي اللبنانية وإعادتهم إلى العصر الحجري.
وبعد مناوشات على مدى أسابيع، قام غالانت بجولة عسكرية على حدود لبنان، وخاطب نصرالله قائلاً: «لا تخطئ. لقد ارتكبت أخطاء في الماضي، ودفعت ثمناً باهظاً للغاية. وإذا تطور هنا تصعيد أو صراع، فسنعيد لبنان إلى العصر الحجري. لن نتردد في استخدام كل قوتنا، ونقضي على كل شبر من حزب الله ولبنان إذا اضطررنا لذلك».
في هذه الأثناء، سجل الجيش اللبناني أمس خرقاً إسرائيلياً للمياه الإقليمية، خلال إطلاعه وفداً من ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن والبعثات الدبلوماسية على النقاط المتنازع عليها مع إسرائيل.
وبالنظر إلى الوضع الداخلي تبرز في لبنان ثلاث قوى الأولى «حزب الله» وحلفاؤه، وهو الذي يعمل على إعادة تجميعها بعد افتراقها، خصوصاً بالاستناد إلى الحوار بينه وبين التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل.
أما الثانية فهي القوى المتخاصمة مع الحزب، وترفض الذهاب إلى أي تسوية معه، ويمثل هؤلاء القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، وكتل نيابية أخرى، بينما الثالثة هي الوسطيون الذين يبحثون عن مساحات مشتركة وإمكانية الوصول إلى تفاهم أو تقاطع، ويمثل هؤلاء الحزب التقدمي الاشتراكي، ونبيه بري المتحالف مع الحزب، ولكنه يسعى دائماً إلى البحث عن تسويات.
وبالنظر إلى هذه الوقائع لا يمكن أن يتم فصل لبنان عن سياق التطورات في المنطقة، وأبرزها في سورية التي تشهد أزمة اقتصادية ومالية خانقة لا مثيل لها دفعت أهالي منطقة الساحل إلى الخروج في تظاهرات احتجاجية، وهو ما دفع الرئيس بشار الأسد للذهاب إلى تلك المنطقة لتهدئة الأهالي، كل هذه المؤشرات، ربطاً بانسداد مسار الانفتاح العربي والخليجي تحديداً على دمشق، تشير إلى التعثر على المستوى الإقليمي.
وذلك لا ينفصل أيضاً عن تطورات ستشهدها منطقة شرق الفرات، في ظل قطع الأميركيين للطريق الواصل بين العراق وسورية، وسعي الإيرانيين والسوريين إلى تحشيد قواتهم إلى هناك بغية فتح الطريق.
في المقابل، هناك جهات إيرانية تصرّ على محاولة تخريب الاتفاق مع السعودية، وتسعى إلى التنصل مما جرى الاتفاق عليه، وبعض هذه الجهات محسوبة على الحرس الثوري، وتمارس استفزازات في الخليج واليمن وغيرهما.
وعلى وقع هذه التطورات، يعود لبنان إلى الاصطفاف العمودي، وسط مساعي «حزب الله» لإقناع باسيل بالسير في خيار ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، ويؤكد الحزب أنه لن يرضى برئيس لا يشكل ضمانة له، وهذا ما يمثلها فرنجية وحده ولا أحد غيره، وعلى هذه القاعدة يعمل الحزب على استمالة باسيل من خلال الحوار المفتوح معه.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر متابعة أن لقاءً ثالثاً عُقِد بين باسيل ووفيق صفا، سلّم فيه باسيل للحزب تفاصيل مقترحاته للاتفاق الذي يسعى إليه.
وبحسب المعلومات فإن الورقة تتضمن مقترحات باسيل حول إنشاء الصندوق المالي الائتماني، ومشروع اللامركزية الموسعة، بالإضافة إلى كيفية تكوين السلطة والمواقع الوزارية والمواقع الأساسية في الدولة، بشكل يسمح لباسيل بأن يضمن مراكز قواه في بنية النظام وفي العهد الجديد، ويفترض بالحزب أن يدرس هذا الاقتراح بمضامينه خلال خمسة أيام على أن يُعقَد لقاء رابع بين الجانبين لإبلاغ باسيل بالجواب على ما طرحه.