بدايةً نبارك للجامعات الخاصة تقدمها في التصنيف العالمي على شقيقتها الكبرى جامعة الكويت، وعلى ما حققته من إنجازات خلال فترة قصيرة من تأسيسها، وكذلك أحييها بالغ التحية على تعزيز الأنشطة الرياضية والفنية، فهذا جزء كبير في التعليم لا تدركه إلا المؤسسات التعليمية الكبرى، وإني أسعد بهذا التقدير المتبادل بين هذه الجامعات وطلابها، فهذه هي العلاقة الصحيحة التي تصنع الثقة بالنفس، وهذا ما يحتاجه الخريج للانطلاق في سوق العمل، وهذا للأسف ما تفتقر إليه الجامعات الحكومية المتعجرفة.

ولكن كما يقولون «الحلو ما يكمل»، فلقد رأينا سيلاً من الإعلانات «التجارية» التي تنادي بفتح باب التسجيل في جميع التخصصات الهندسية! بل إن أحد الإعلانات الجامعية يرشد أصحاب المعدلات المتوسطة لدراسة الدبلوم الهندسي قبل الشروع في دراسة الهندسة، ليسهل عليهم الدخول في «المسابقة»! ويبدو لي أنه لا يوجد توافق بين التخصصات المطروحة واحتياجات البلد، فهل تعلمون يا سادة ياكرام أن أغلب تخصصات الهندسة باتت من التخصصات غير المرغوبة في سوق العمل الكويتي، بحسب تصريح ديوان الخدمة المدنية، بل إن بعضها دخل في مرحلة الاحتضار مع تقدم الذكاء الاصطناعي!

Ad

إن سوء الإدارة وعدم وضوح الرؤية المستقبلية للبلد يجعلاننا في تخبط مستمر، فنحن في الكويت لسنا دولة صناعية، ولا نطمح لذلك، ومع هذا كانت أغلب البعثات الدراسية ترسل طلبتنا المتفوقين لدراسة الهندسة! حتى أصبح لدينا جيش من المهندسين في أغلب التخصصات، أكثر من حاجة سوق العمل! مما اضطر ديوان الخدمة المدنية لتحويل هذا الجيش لموظفين إداريين في الحكومة، وهذا أكبر دليل على سوء الإدارة والتخطيط، فالهندسة كما تعلمون مهنة فنية وابتكارية لا إدارية مكتبية، خصوصا في بدايات العمل، فوظيفة المهندس في أغلب الدول الصناعية المنتجة التخطيط والتصميم والابتكار لأحدث الأجهزة والآلات، أو أن يساعد في بناء نظام متكامل للأبنية والطرق والمدن والصرف الصحي، أو أن يشتغل في تطوير الناقلات والطائرات والمركبات والأسلحة، ويطور الأجهزة الميكانيكية والإلكترونية التي تواكب العصر، فهم الذين يصنعون جميع المستلزمات من الدبوس إلى الصاروخ، فأين نحن في الكويت من كل هذا الوصف؟!

إن تخريج هذا الكم من المهندسين بدون رؤية ولا خطة تنموية صناعية للبلد هو إهدار لأفضل طاقات الشباب الموجودة لدينا، فكلنا نعلم أن أغلب طلبة الهندسة طلبة متفوقون وجادون في تحصيلهم العلمي، وعندهم القابلية للتعلم أكثر من غيرهم، لكن أغلبهم للأسف وقع في «مصيدة الشطار» إما عن قصد أو غير قصد، وأنا كتربوي وأب أتحسر على كل طاقة وطنية مهدورة، خصوصا عندما يكتشف المهندس المخلص أنه قد تحول إلى موظف عادي داخل دائرة مستندية واسعة لتخليص المعاملات في دولة غير صناعية! وهناك للأسف من يعلم مسبقا بهذا الوضع، لكنه آثر أن يبيع ثمرة جهده الجامعي، ورضي بالاحتراق الوظيفي، من أجل المسمى والكادر.