اقتصاد الوزير البراك
التلاعب بالمفاهيم أحد أهم أدوات المتأسلمين في الدفاع عن آرائهم ومواقفهم، ولإقناع الآخرين بها يحاولون الربط بين المفاهيم القديمة والحديثة تاريخياً، مع أن هناك تباينا شاسعا بين تلك المفاهيم بسبب فارق الزمن لآلاف السنين ومدى التطور الحضاري الهائل الذي حصل.
كلمة وزير النفط سعد البراك في مجلس الأمة التي استشهد فيها بدور القطاع الخاص في زمن الصحابة الكرام رأي مستغرب صدوره من رجل من المفترض أن يكون اقتصاديا خبيرا، ويعلم تماماً عدم وجود قطاع خاص في زمن الصحابة! بل كانت تجارة تبادل موسمية بالسلع، ولم يذكر أي كتاب تاريخي أو فقهي شيئاً عن دور قطاع خاص حينذاك، ولم تكن دولة مدنية لها مسؤولية اجتماعية تجاه المواطنين بتوفير الحريات وضمان حقوقهم المدنية والعدالة الاجتماعية وتوفير فرص عمل وتعليم وطبابة، ولم توجد حينها شركات عابرة للقارات أو بنوك عالمية أو مضاربات بالأسهم والسندات والعملات والمناقصات والاحتكارات، وهي سمات الاقتصاد الرأسمالي المعولم، وسؤالنا للبراك: ما علاقة الاقتصاد الكويتي وخطة التنمية 2030م وعدم جدوى خطة الكويت 2035! باقتصاد الصحابة الكرام؟
أعتقد أن البراك طرح هذه المقدمة اللا منطقية لإقناع الشعب وتهيئته للموافقة على التخلي عن دور الدولة الرئيس في إدارة النشاط الاقتصادي، وتسليم القطاع الخاص إدارة اقتصادنا ليعبث به ويقتات عليه كما يشاء، ويتناسى البراك أن اقتصادنا ريعي قائم على سلعة النفط، وأن قطاعنا الخاص في أزمة كورونا وفي كل أزماته السابقة أصابه شبه انهار لولا حزم الدعم المالي من خزينة الدولة.
نعم، لدينا قطاع خاص لكنه طفيلي، قائم أساساً على مزايا ومنح الدولة ودعمها شبه المجاني للإيجارات السنوية والكهرباء والماء، وليس لدينا قطاع صناعي أو زراعي أو تعديني أو تجاري مستقل تماماً عن دعم مالية الدولة، وجميع العاملين الكويتيين في القطاع الخاص يتسلمون من الدولة دعما ماليا بعنوان «دعم عمالة» ولولاه لما غامر الشباب بالعمل في القطاع الخاص.
يتساءل البعض: ماذا قدم القطاع الخاص للدولة والمجتمع؟ وكم الضرائب التي رفد بها ميزانية الدولة؟ فلم يكن القطاع الخاص سوى وكيل لمناقصات الشركات الأجنبية والمصانع والماركات العالمية، وأسهمه في البورصة لا تمنحه الثقة به، وهناك نزوح معتبر عن التعامل بالأسهم بشكل عام، فضلا عن أن العائلات التجارية بالكويت تستولي على حصة كبيرة من نشاطه مما يضعف تنميته.
أخيرا نقول للبراك إننا لن نتيح للدولة تسليم النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص بالمفهوم الذي يراه، نحن نؤيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع رقابة الدولة عليه وخضوعهما لاستيراتيجية وخطط الدولة في إصلاح النشاط الاقتصادي العام وتطويره.