دخل لبنان في حلقة جهنمية من حلقات النزاع الأهلي نقلت الأمور إلى مراحل متقدمة من التوتر والانقسام، لا سيما بعد وقوع شاحنة «حزب الله» المحمّلة بالأسلحة والذخائر في منطقة الكحالة على الطريق الدولي الواصل بين بيروت والبقاع، والمحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الدفاع موريس سليم، أمس، في منطقة جسر الباشا بعد ساعات فقط من إصداره أوامر بمصادرة الشاحنة، وفتح تحقيق في ملابسات الإشكال بين عناصر الحزب وأهالي البلدة المسيحية.
ولمنطقة الكحالة قصص طويلة منذ الحرب الأهلية وما قبلها، فهي المنطقة الاستراتيجية التي تربط جزءاً من الجبل ببيروت كما تربط البقاع بها، وكثيراً ما دارت معارك كبيرة خلال سنوات الحرب، التي استذكرها اللبنانيون إثر اندلاع الإشكال بين أهالي المنطقة وعناصر «حزب الله» المكلفين حمايةَ الشاحنة ما أدى إلى سقوط قتيلين، من الطرفين.
وتطرح محاولة استهداف سيارة وزير الدفاع مع اشتباك الكحالة الكثير من التساؤلات حول مصير لبنان وأزمته المتعددة الجوانب، من الشغور الرئاسي إلى الفشل المالي والاقتصادي.
ورفَع ما جرى خلال الساعات الماضية منسوب خطاب الأوساط المسيحية المطالِبة بالذهاب إلى الطلاق أو الانفصال والتقسيم، ودعوات اعتماد مبدأ الأمن الذاتي، مادام «حزب الله» يمتلك السلاح ويسير في مختلف المناطق وعلى كل الطرقات.
وشمل الهجوم السياسي الجيش اللبناني، الذي جاءت محاولة اغتيال سليم فور إعلانه مصادرة شاحنة «حزب الله» وفتح تحقيق في إشكال الكحالة، إذ اعتبر بعض النواب أن موقفه لم يكن مفهوماً، وكان يجب عليه أن يتصدى لعناصر الحزب ولأهالي المنطقة الذين قطعوا الطريق الدولي وحاولوا منع نقل الشاحنة، إلا أن الجيش أصر على فتح الطريق ونقل الشاحنة، في حين أفادت مصادر قريبة من الحزب بأنه قد تسلّم كل الشحنة التي كانت بداخلها، بينما أكد الجيش أنها أصبحت بحوزته وباشر التحقيقات في خلفيات الحادث.
وتُفضي هذه الإشكالات والاشتباكات إلى احتمال من اثنين، إما تزايد الضغوط على كل القوى السياسية بما فيها «حزب الله» ما سيدفعه للذهاب إلى إبرام تسوية سياسية وتقديم تنازلات، وإما استمرار الوضع على حاله مع احتمال أن تكون هذه الأحداث مرشحة للازدياد والارتفاع، خصوصاً في ظل الشحن الموجود بالنفوس وغياب أي حلول سياسية.
ولكن استمرار الواقع على حاله سيؤدي إلى المزيد من الترهل والتدهور على مستوى مؤسسات الدولة وقطاعاتها، ما يعني أن الواقع السياسي والاجتماعي سيبقى في حالة انهيار، أما في حال توافرت العناصر للذهاب إلى تسوية، فهذا سيكون نتيجة تدخلات دولية تفرض وقائع جديدة، يرجح البعض أنها ستصب في النهاية في مصلحة قائد الجيش جوزيف عون.
ما أظهرته هذه الاشتباكات، المعطوفة على المزيد من التوتر بين «حزب الله» وجهات أغلبيتها مسيحية، هو الوصول إلى حالة متقدمة من القطيعة الاجتماعية، خصوصاً أن أحداث الكحالة، جاءت بعد أيام من مقتل مسؤول للقوات اللبنانية في بلدة عين إبل الجنوبية، وبالتزامن مع توترات تشهدها منطقة جبيل وجرودها بين الشيعة والمسيحيين.
هذه التوترات تدفع المسيحيين إلى تصعيد مواقفهم، وتصعّب كل محاولات بعض الأطراف منهم، لا سيما التيار الوطني الحرّ، للذهاب إلى اتفاقات أو تسويات مع الحزب.
في هذا السياق، هناك من يربط بين كل هذه الأحداث والتوترات في إطار صراعات أمنية لها أبعاد إقليمية، في ظل التصعيد الأميركي تجاه إيران، لا سيما في سورية من خلال قطع الطريق إلى الحدود العراقية، وإرسال إيران تحشيدات عسكرية إلى هناك في محاولة منها لإعادة فتحه، وذلك لا ينفصل عن ضغوط تتعرض لها دمشق سياسياً ومالياً واقتصادياً وتطوقها حتى في مناطق الساحل.
وفي تفاصيل الخبر:
بعد ساعات من إعلان الجيش اللبناني مصادرته حمولة شاحنة الذخائر التابعة لحزب الله في بلدة الكحالة، ما أثار توتراً واشتباكاً أدى إلى سقوط قتيلين، تعرض وزير الدفاع موريس سليم أمس، لمحاولة اغتيال بإطلاق النار على سيارته بمنطقة جسر الباشا شرق بيروت. وقال وزير الداخلية بسام مولوي، إن إطلاق النار على سليم «من غير المؤكد إذا كان مقصوداً»، مشدداً على أن «الموضوع لا يزال في بداية التحقيق من أجهزة الأمن والمخابرات تحت إشراف القضاء العسكري».
وفي وقت سابق، أعلن الجيش أن تحقيقاً «بإشراف القضاء المختص» فُتح في «الإشكال» الذي وقع في بلدة الكحالة، وطوقته قوة من الجيش أقدمت على نقل حمولة «ذخائر» من شاحنة كانت انقلبت في المكان «إلى أحد المراكز العسكرية».
وبدأ الإشكال مساء أمس الأول بعد انقلاب شاحنة تابعة لحزب الله، على كوع طريق الشام الذي يمر ببلدة الكحالة، ويعد المدخل الرئيسي الى العاصمة من منطقة البقاع.
وقال مختار الكحالة عبود خليل إن أشخاصاً «يرتدون ملابس مدنية» ضربوا على الفور طوقاً أمنياً حول الشاحنة، ولدى محاولة السكان الاقتراب منها أطلقوا النار فقتل أحد أبناء البلدة فادي يوسف بجاني.
لكن حزب الله اتهم «مسلحين بالاعتداء على أفراد الشاحنة في محاولة للسيطرة عليها»، مشيراً إلى أنهم بدأوا «برمي الحجارة أولاً ثم بإطلاق النار، مما أسفر عن إصابة أحد الإخوة المولجين بحماية الشاحنة»، قبل وفاته متأثراً بجروحه.
ونعى حزب الله «الشهيد المجاهد أحمد علي قصاص، الذي ارتقى أثناء قيامه بواجبه الجهادي»، وشيعه في منطقة الغبيري بالضاحية الجنوبية لبيروت، أبرز معاقل الحزب.
وعلى مدى ساعات خلال الليلة الماضية، تجمع عدد من أهالي بلدة الكحالة والقرى المجاورة قرب مكان انقلاب الشاحنة، وقطعوا الطريق ومنعوا الجيش من إخراج الحمولة والشاحنة، احتجاجاً على عبور السلاح في منطقتهم ومقتل مواطن من البلدة، وحمل بعضهم لافتات منددة بـ«الاحتلال الإيراني» للبنان، وأطلقوا هتافات مناهضة لحزب الله.
من جهة ثانية، فرضت أمس الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي على الحاكم السابق للبنك المركزي رياض سلامة وأربعة أشخاص مقربين منه.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن «أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون بلبنان».
وأكدت الخزانة الأميركية أن سلامة «أساء استغلال موقعه في السلطة، في انتهاك للقانون اللبناني على الأرجح، لإثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي».