رياح وأوتاد: خلاف جذري اقتصادي ومالي في توجه المجلس والحكومة ووزيرها... فما الحل؟
تصريح نائب رئيس الوزراء وزير النفط والاستثمار بشأن العجز وضرورة الاقتراض يتناقض تماماً مع اقتراحات بعض النواب الشعبوية بالزيادات المالية الكثيرة، ودفع فوائد القروض المحرمة من المال العام، والغريب أن كليهما برر طرحه بعدم مس جيوب المواطنين، مما يدل على عمق الهوة بين الطرفين حول موضوع يعد من أخطر المواضيع المعروضة على المجلس الحالي.
فما الحقيقة؟ هل الكويت دولة محتاجة كي تقترض أم أن عندنا اقتصاداً منتجاً وفائضاً يغطي كل هذه الزيادات والمطالبات؟ وهل يعود سبب الخلاف إلى أن هؤلاء النواب لا يثقون بأرقام الحكومة فيما يتعلق بالميزانية ودخل النفط؟ أم أنه يعود إلى جهل هؤلاء النواب بالميزانية وأرقامها والعجز المتوقع؟ أم أن مصدر الخلاف يعود إلى استياء النواب من الفساد والهدر في الحكومة؟ وهل اقتراحات النواب مصدرها الزخم الشعبي المطالب بالزيادات والإعفاءات والإسقاطات ورغبة النواب في النجاح في الانتخابات بالاستجابة الى هذه الضغوط حتى لو خالفت أرقام الدخل والميزانية؟
وحتى لا نعمم فقد كان طرح قلة من النواب مغايراً لطرح هؤلاء النواب، فقد أكد النائب عبدالوهاب العيسى على ضرورة الإصلاح الاقتصادي، وهاجم بيع الإجازات، وهدد بالاستجواب إذا تم السحب من احتياطي الأجيال، وانتقد الحكومة بأنها أكثر شعبوية من النواب، وكذلك فقد أشار النائب فهد المسعود إلى خطورة الصرف دون تحقيق مصدر آخر للدخل وغيرهما من النواب أيضاً.
لذلك أرى أن يسارع النواب إلى بحث هذا الموضوع في اللجنة المختصة بكل صراحة ووضوح براً بقسمهم، وأن يصارحوا الشعب بنتائج هذا الموضوع، وأن يستعينوا بالمتخصصين الاقتصاديين والإحصاءات المحلية والعالمية وكبار الموظفين الكويتيين الثقاة، عندها سيكتشف النواب أن العجز حقيقي وليس كذبة حكومية، وأن الدخل الحالي لن يكفي لمقابلة المصروفات المتزايدة في الميزانية في المستقبل بسبب الاعتماد على مصدر وحيد للدخل، وأن المزيد من اقتراحات الصرف الجاري والإسقاطات ستؤدي مع الزيادة المتوقعة للكويتيين وحاجاتهم الى تزايد العجز والاضطرار الى الاقتراض وتسييل الاحتياطيات، ونشوء مشكلات خطيرة في المستقبل مثل وقف التعيينات وفرض الرسوم على المواطنين ونشوء مشكلات اجتماعية وأمنية لا سمح الله.
كما سيكتشف النواب بالدراسة العلمية أيضاً أن التوجه الصحيح هو الاجتهاد في البحث عن مصادر أخرى غير نفطية للدخل لمواجهة المصروفات الجارية والاستثمارية وزيادة عدد الخريجين المتزايد.
وسيجد النواب كذلك أن الصرف الجاري والانتخابي والتوظيف بالشكل الحالي المؤدي إلى البطالة المقنعة وكثرة الهيئات والكوادر والمنح لا يعود على الاقتصاد بالفائدة الحقيقية، إنما المفيد هو الوظيفة المنتجة في القطاعين العام والخاص، والتي يجب أن تتناسب مع القدرات، وكذلك مع طبيعة الرجال والنساء، وأن الأسلوب العلمي هو الكفيل بتحسين معيشة المواطنين، وسيتذكر النواب أن المجلس والحكومة السابقة صرفا نحو أربعة مليارات من الهبات والمكافآت لكنها لم تؤد إلى أي نتيجة.
وإذا بحث النواب والوزير المعني في قصة إنشاء احتياطي الأجيال فسيجدون أنه أنشئ لمواجهة فترة ما بعد النفط ولمواجهة الحروب والكوارث التي قد تعصف بالدخل الطبيعي للبلاد، وأن السحب منه الآن يعدّ اعتداء على حقوق الأبناء والأحفاد والاستقرار المستقبلي.
ولو تعمق النواب في خطورة الصرف الجاري بلا فائدة تعود على الاقتصاد لوجدوا أن الإصلاح الاقتصادي بكل جوانبه هو الأولوية التي يجب أن يقدموها على غيرها من المواضيع، وأن وجود الفساد ليس مبرراً للصرف غير المجدي، ولكن يجب محاربة الفساد والمضي في الإصلاح المالي بطريق متواز.
ولو تأمل النواب ما حصل للدول التي دخلت عالم الاقتراض دون أن تقوم بإصلاحات جذرية، وكيف أنها أدت إلى الفقر وعدم الاستقرار، لأخذوا على يد الوزير والحكومة في اندفاعهم إلى الاقتراض.
الخلاصة أن القسم أوجب على النواب والحكومة العمل على هدي الشريعة الغراء وبالأسلوب العلمي ولغة الأرقام التي لا تكذب، مع الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى، عندها سيتأكدون أن الوضع المالي والاقتصادي غير سليم، وسيؤدي إذا استمر إلى مشكلات خطيرة، وأن عليهم البدء بالإصلاح الاقتصادي ووقف اقتراحات الصرف غير المجدية والاتجاة الى الصرف المجدي المنتج في القطاعين العام والخاص لتحسين معيشة أهل الكويت وأجيالهم، كما أن عليهم أن يصروا على الحفاظ على احتياطي الأجيال دون سحب أو استنزاف، وكذلك وقف قانون الاقتراض بالإضافة إلى مكافحة الهدر ومواجهة الفساد بكل طرقه وأشكاله، وأن يبلغوا نتائج دراستهم وعملهم إلى الشعب الكويتي بكل أمانة.