بعد سبع سنوات بالتمام والكمال على آخر ارتفاع شهده العالم في درجات الحرارة، نعود الآن لنفتح سجال النقاش حول مخاوف البشر من تجاوز عتبة أربعة وخمسين درجة مئوية لهذا الصيف، والحقيقة أن كل هذه العلامات لا تنذر إلا بالدمار الأيكولوجي لكوكبنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وهذه ليست نظرة تشاؤمية بقدر ماهي قراءة للواقع الآني.
فبعد أن تجاوز عام 2016 المستويات التي سُجلت في العام الذي سبقه، ها نحن أمام فوهة حامية من فوهات بركان تقلبات مناخية متطرفة تعصف بالبلاد والعباد من حول العالم، متأهبين للأسوأ إذا وافقنا على البقاء مكتوفي الأيدي، وفي الاحتمال الأخير سيناريوهات كثيرة يمكن أن نلخصها كالآتي:
أولاً: من نافلة القول إن انطلاق ظاهرة النينيو التي تضرب أغلب دول العالم الآن لن تنتهي بمجرد ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، بل إنه يُنذر بفساد الآلاف إذا لم نقل الملايين من هكتارات المساحات الزراعية عبر الحرائق التي تندلع بين الوقت والآخر، رأينا سعيرها في كندا يلتهم عشرات ملايين الهكتارات، وهي مساحة غير مسبوقة في تاريخ بلد يلتحف برداء الثلج ويهيم في نسمات البرد العليلة.
ولم يقف لهيب الحر فقط في كندا بل أخذ يهرول راكضا إلى اليونان، حيث تم إخلاء جزيرة كورفو بأكملها من جراء الحرائق، ومؤخرا في الجزائر وتونس ودول البحر المتوسط عموما.
لا أستغرب إذا رأينا مآسي أخرى بعد ارتفاع درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط الذي بات مؤخرا تهديدا آخر لسواحل الدول المطلة عليه من جهة، وخطرا يتربص بالأنظمة البيئية البحرية ويخلف حالات نفوق جماعية أو هجرة مكانية للكائنات البحرية.
ثانياً: إن الأزمة الغذائية التي بتنا نسمع عنها كثيرا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لم تتحقق بعد، فرغم غلاء الأسعار الذي شهدته الدول التي تعتمد على المنتجات الغذائية الأوكرانية على غرار الحبوب مثلا لا حصرا، فإن ارتفاع درجات الحرارة والحرائق المندلعة مجتمعين سيؤدي بالضرورة إلى خسارة المحاصيل الزراعية في الدول التي تعاني من موجة الحر.
ثالثاً: حرائق الغابات والمساحات الزراعية التي رأيناها، رواية أخرى لسيناريو لا يختلف كثيرا عن هذه الخسارة، فألسنة اللهب التي تندلع في المناطق الزراعية أو حتى القريبة منها ستؤدي إلى خسارة الغطاء النباتي برمته، وهنا لن يصلح العطار ما أفسده الدهر، فعويل التحركات الدولية حينها لن ينفع أحدا.
رابعاً: الفيضانات التي تسببت بها الأمطار الغزيرة نتيجة السُحب المهاجرة من مكان لآخر وطبعا فالأمر جلي أنها بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ستزيد من إرهاق التربة أكثر وجرف العناصر الحيوية المغذية التي تحتاجها لإنبات الأشجار، أي أنها ستكون شقيقة غير شرعية للأرض «البور» رغم أن وضع آفة الجفاف الذي اشتدت وتيرته في السنوات القليلة الماضية في عدد من الدول لا يبدو مطمئنا لما هو آت.
كخلاصة، يمكنني القول إن ما تشهده اليوم الأقطاب الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة والصين ومؤخرا دخلت روسيا أيضا على الخط، من صراعات على احتكار الخيرات وتسيّد هرم التجارة والصناعة لن يمر دون ثمن، ومن سيدفعه غير الدول التي تصارع الآن في المؤتمرات الدولية للحصول على تعويضات مالية نتيجة تضررها مناخيا من تبعات ما خلفته الدول الصناعية الكبرى، فما من أمل قد يثلج صدر المرء الآن سوى حسم القرار في مؤتمر الأطراف «كوب 28» ضمن نسخته الثامنة والعشرين، للالتزام بالتعهدات التي تنص على خفض الانبعثات و«كفى» للدول المتعطشة للطاقة الأحفورية تنقيبا في أرض تهالكت أجزاؤها وباتت تشكو حالها.
* «ابتسام عكريمي»
فبعد أن تجاوز عام 2016 المستويات التي سُجلت في العام الذي سبقه، ها نحن أمام فوهة حامية من فوهات بركان تقلبات مناخية متطرفة تعصف بالبلاد والعباد من حول العالم، متأهبين للأسوأ إذا وافقنا على البقاء مكتوفي الأيدي، وفي الاحتمال الأخير سيناريوهات كثيرة يمكن أن نلخصها كالآتي:
أولاً: من نافلة القول إن انطلاق ظاهرة النينيو التي تضرب أغلب دول العالم الآن لن تنتهي بمجرد ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، بل إنه يُنذر بفساد الآلاف إذا لم نقل الملايين من هكتارات المساحات الزراعية عبر الحرائق التي تندلع بين الوقت والآخر، رأينا سعيرها في كندا يلتهم عشرات ملايين الهكتارات، وهي مساحة غير مسبوقة في تاريخ بلد يلتحف برداء الثلج ويهيم في نسمات البرد العليلة.
ولم يقف لهيب الحر فقط في كندا بل أخذ يهرول راكضا إلى اليونان، حيث تم إخلاء جزيرة كورفو بأكملها من جراء الحرائق، ومؤخرا في الجزائر وتونس ودول البحر المتوسط عموما.
لا أستغرب إذا رأينا مآسي أخرى بعد ارتفاع درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط الذي بات مؤخرا تهديدا آخر لسواحل الدول المطلة عليه من جهة، وخطرا يتربص بالأنظمة البيئية البحرية ويخلف حالات نفوق جماعية أو هجرة مكانية للكائنات البحرية.
ثانياً: إن الأزمة الغذائية التي بتنا نسمع عنها كثيرا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لم تتحقق بعد، فرغم غلاء الأسعار الذي شهدته الدول التي تعتمد على المنتجات الغذائية الأوكرانية على غرار الحبوب مثلا لا حصرا، فإن ارتفاع درجات الحرارة والحرائق المندلعة مجتمعين سيؤدي بالضرورة إلى خسارة المحاصيل الزراعية في الدول التي تعاني من موجة الحر.
ثالثاً: حرائق الغابات والمساحات الزراعية التي رأيناها، رواية أخرى لسيناريو لا يختلف كثيرا عن هذه الخسارة، فألسنة اللهب التي تندلع في المناطق الزراعية أو حتى القريبة منها ستؤدي إلى خسارة الغطاء النباتي برمته، وهنا لن يصلح العطار ما أفسده الدهر، فعويل التحركات الدولية حينها لن ينفع أحدا.
رابعاً: الفيضانات التي تسببت بها الأمطار الغزيرة نتيجة السُحب المهاجرة من مكان لآخر وطبعا فالأمر جلي أنها بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ستزيد من إرهاق التربة أكثر وجرف العناصر الحيوية المغذية التي تحتاجها لإنبات الأشجار، أي أنها ستكون شقيقة غير شرعية للأرض «البور» رغم أن وضع آفة الجفاف الذي اشتدت وتيرته في السنوات القليلة الماضية في عدد من الدول لا يبدو مطمئنا لما هو آت.
كخلاصة، يمكنني القول إن ما تشهده اليوم الأقطاب الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة والصين ومؤخرا دخلت روسيا أيضا على الخط، من صراعات على احتكار الخيرات وتسيّد هرم التجارة والصناعة لن يمر دون ثمن، ومن سيدفعه غير الدول التي تصارع الآن في المؤتمرات الدولية للحصول على تعويضات مالية نتيجة تضررها مناخيا من تبعات ما خلفته الدول الصناعية الكبرى، فما من أمل قد يثلج صدر المرء الآن سوى حسم القرار في مؤتمر الأطراف «كوب 28» ضمن نسخته الثامنة والعشرين، للالتزام بالتعهدات التي تنص على خفض الانبعثات و«كفى» للدول المتعطشة للطاقة الأحفورية تنقيبا في أرض تهالكت أجزاؤها وباتت تشكو حالها.
* «ابتسام عكريمي»