«لم يستفد المستعبدون على الإطلاق من عملية خطفهم وتعذيبهم وتعريضهم للاعتداء الجنسي، ثم إجبارهم على العمل لمصلحة معذبيهم».

تصريح كهذا لا يثير الجدل على ما يبدو، ومع ذلك، خلال الأسبوع الماضي، انبرى المحافظون للدفاع عن فكرة أن العبودية كانت في بعض الأحيان تعد برنامجاً تدريبياً مجانياً غير مدفوع، حيث كان الأشخاص يكتسبون مهارات قيمة وفرصاً أفضل.

Ad

إنها حجة سخيفة ولكنها ليست مفاجئة، اليمين كحزب وتيار، يؤمن إيماناً راسخاً وصادقاً وبلا حدود في مبدأ الجدارة الذي يتمثل في أن الأفراد الأكثر ذكاء وبذلاً للجهد يصلون إلى القمة في مجتمعنا، والاعتقاد بالتقدم الذاتي الجدي والاعتماد على النفس يقدم على أنه مرادف للاجتهاد والفضيلة والاحترام الذاتي.

وفي الواقع، بناء على ما توضحه حجج الحزب الجمهوري حول مسألة العبودية، يتبين أن مبدأ الجدارة، عندما يشار إليه بشكل حرفي، يتحول إلى ذريعة للقسوة والعنف وتعزيز روح الكراهية.

وفي هذا السياق، أصدر مجلس التعليم في ولاية فلوريدا، الذي حشد فيه حاكم الولاية رون ديسانتيس حفنة من المحافظين، مبادئ جديدة لمنهاج التاريخ، حيث تضمنت هذه المبادئ معياراً ينص على ضرورة تدريس الطلاب بأن «العبيد اكتسبوا مهارات يمكن تطبيقها في بعض الحالات لمنفعتهم الشخصية».

وكما أشار عدد من خبراء وهم محقون برأيهم، فإن هذا الكلام هراء وباطل، صحيح أن بعض المستعبدين كانوا أحياناً قادرين على اكتساب بعض المهارات، ولكن ذلك حدث رغم محاولات من أولئك الذين استعبدوهم لمنعهم وصدهم عن التعلم.

وذكر فريدريك دوغلاس، أحد المناهضين للعبودية، أن السيدة التي استعبدته كانت تنتزع الصحف من يده فعلياً خشية تعلمه القراءة، وفي بعض الولايات، كان المستعبدون الذين حاولوا تعلم القراءة يتعرضون لعقوبات قاسية مثل قطع أصابع أياديهم وأقدامهم.

وردت لجنة التعليم في ولاية فلوريدا على الانتقادات (بما في ذلك انتقادات نائبة الرئيس كامالا هاريس)، بذكر عدد من الأشخاص السود من ذوي المهارات الذين قالت اللجنة إنهم اكتسبوا مهاراتهم أثناء فترة العبودية.

ومع ذلك، تضمنت القائمة عديداً من الأسماء لأشخاص سود ولدوا أحراراً، كما استشهدوا بالمربي الشهير بوكر تي واشنطن، الذي تحرر من العبودية عندما بلغ التاسعة من العمر، واستفاد من إلغاء العبودية ولم يستفد من الفترة التي كان فيها مستعبداً.

وأساس العبودية يقوم على إرغام المستعبدين على العمل لمصلحة الذين استعبدوهم لا لمصلحتهم، ولم يكونوا قادرين على تجميع أي ثروة، إذ سلب منهم كل ما كانوا يجنونه، وعندما كان المستعبدون يمتلكون معرفة قوية في مجالات مثل الحدادة، نسب أولئك الذين استعبدوهم الفضل والإنجازات لأنفسهم، فلم يكن بإمكانهم تخزين المعرفة أو المال لعائلاتهم، إذ أمكن بيع أطفالهم بمحض من يستعبدهم، ولم تكن العبودية برنامجاً لاكتساب المهارات الوظيفية.

ومع ذلك، شدد المحافظون على موقفهم، حيث صرح ديسانتيس بلا مبالاة بأن المناهج الجديدة ستركز على «بعض الأشخاص الذين جعلوا من الحدادة بوابة لتحقيق أمور في ما بعد في حياتهم»، وأصر مضيف قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، جيسي واترز، بشكل مربك أنه «لا أحد يحاول أن يبرهن أن المستعبدين استفادوا من العبودية»، ثم قال محاججاً، إن المستعبدين تعلموا مهارات يمكن «تطبيقها للحصول على منافع شخصية».

السرد الذي يروج له اليمين صادم، لكنه مألوف أيضاً، إنهم في الأساس يصوغون العبودية على أنها حكاية للمؤلف هوراشيو ألجر (تدور رواياته حول صبية فقراء يصعدون في السلم الاجتماعي)، المستعبدون فقراء ومحرومون من الكثير، لكن «أربابهم» يمنحونهم فرصة للبدء من الصفر، واكتساب مهارات مهمة، وبدء مسيرة تحقيق الثراء الشخصي والسعادة، وبغض النظر عن قلة ممتلكاتهم، يمكن لأي شخص تحقيق شيء لنفسه من خلال التوفير والذكاء واستعداده للعمل، هذا هو الحلم الأميركي.

وفي الواقع، يعد الحلم الأميركي هذا هراء، فالارتقاء الاجتماعي في الولايات المتحدة أقل بكثير منه في عديد من الدول الأخرى، لكن الإيمان بمبدأ الجدارة لا يكترث بالبيانات، أو حتى المنطق، فالحزب الجمهوري يتوق بشدة إلى الإيمان بأن التسلسل الهرمي الحالي هو نزيه، لأنهم حزب التسلسلات الهرمية المتأصلة، وإذا كنت تتحمل أعباء القروض الطلابية الباهظة، فذلك بسبب تقصيرك، وإذا قام أحد الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم حراساً للمجتمع بخنقك حتى الموت في المترو، فالسبب هو لأنك سعيت لذلك، وإذا كنت فقيراً وأطفالك جائعون، فهو لأنك مهمل «وفقاً للمفكر المحافظ بن شابيرو، الحل لهذا الأمر هو معاقبة الفقراء ذوي الأطفال الجائعين بدلاً من توفير وجبات غداء مدرسية مجانية».

فيما يتعلق بالمحافظين يستحق كل شخص المصير الذي يلقاه، وهذا يعني أن الأقوياء هم الصالحون، والضعفاء هم الفاشلون الفاسقون الذين يجب معاقبتهم، فالمعايير الجديدة في فلوريدا تطبق هذا المنطق على فترة زمنية سابقة، والمجلس التعليمي في فلوريدا ينكر التفاوتات الهيكلية وواقع الظلم والقهر، وبدلاً من ذلك، يقترح أن منطق الجدارة ساد حتى في فترة الرق.

لكن ذلك لم يكن صحيحاً، فالمستعبدون الأثرياء مثل، الرئيس الأميركي السابق، توماس جيفرسون، لم يصبحوا أثرياء بسبب العمل الجاد وحس سياسة وإدارة الأعمال، بل كانوا أثرياء لأنهم استخدموا القوة لسرقة جهود الأشخاص الذين اختطفوهم، ولم يكن الأشخاص المستعبدين محرومين لأنهم فشلوا في استغلال الفرص لتعلم حرفة الحدادة، وكانوا محرومين بسبب وجود نظام وحشي وقاس سرق منهم مجهود العمل وحقوقهم وأطفالهم.

إن الظلم في ذلك الوقت يتكرر اليوم، حيث يستمر الأشخاص السود في مواجهة القهر المنظم، وما زالوا يحرمون من الفرص، وربما حتى يتعرضوا للعبودية، وترغب فلوريدا في تطبيق مفهوم نظام الجدارة على الماضي لإثبات أننا نعيش اليوم في مجتمع يقوم على الجدارة، ولكن ذلك ليس صحيحاً، وإذا أردنا مجتمعاً عادلاً ومتكافئاً، فيجب أن نعترف بأننا لم نصل إليه بعد، فلا يمكن أن تحقق الحرية إذا رفضت رؤية أي قيود.

* «نوا بيرلاتسكي»