يبين المفسرون أن الآية (24) من سورة الصافات: «وقفوهم إنهم مسؤولون» تشير إلى وقوفهم حتى يُسألوا عن أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم، واقتداءً بهذه الآية الكريمة علينا- على الأقل- أن نسأل عن أعمال وأقوال المسؤولين ونربطها بأفعالهم على الأرض لاختبار مدى مصداقيتهم، فعندما يعترف أحدهم بالخطأ نصل إلى نصف الحقيقة، ليتبقى النصف الآخر المرتبط بتصحيح المسار وتحديد على من تقع مسؤولية التبعات حتى تتحقق العدالة الكاملة، أما استمرار المسؤول عن الأخطاء المتكررة والتصريحات غير الواقعية في منصبه فدليل على غياب ثقافة المحاسبة وتحمل مسؤولية التبعات، وعلينا ألا نتفاجأ إذا قام أحدهم بتسويف الإنجاز لسنوات، وبالاستخفاف بالعقول مرات ومرات، ونشر الفساد في المؤسسات، وأن يطل علينا بين الحين والآخر أبطال من ورق ينظّرون لحلول غير واقعية يتلاقفها المطبلون لهم والمصفقون لإسفافهم غير المنطقي!! ليبرروا ضياع مليارات التنمية منذ 2010 حتى يومنا هذا من دون إنجاز يُذكر على مدى 13 عاماً (كما صرح الوزير المسؤول)!! وبجرّة قلم، تتم إضافة 5 سنوات للرؤية لتصل إلى 2040 معلنين تأخر الكويت أكثر من 10 سنوات عن ركب وثيقة التنمية الأممية التي وقعتها مع باقي الدول الأعضاء لتحقيق التنمية المستدامة في 2030، وقد شاركت الكويت بتقارير سنوية عن حالة الإنجازات المزعومة مع المنظمة الدولية!! فهل سيتم احتواء تبعات التنمية أممياً ومحلياً ونيابياً بعد تصريحات المسؤول بالوكالة؟ أما فيما يتعلق بتصريحه الخاص بالدين العام، فهو بدايةً لم يحدد الهوية الاقتصادية للبلد (الرؤية) أولاً، والمشاريع المطلوبة لتحقيق الرؤية ثانياً، ومدة التنفيذ ثالثاً، وحجم التمويل المطلوب رابعاً، عندها بإمكانه تحديد الحاجة إلى الاقتراض ولكن ليس قبل البدء بوضع خريطة طريق بديلة لخطط التنمية التي لم ينفذ منها شيء!!

أما ما طرحه بشأن تغيير طريقة إدارة الشركات الحكومية «ووضعها في صندوق خاص لإدارتها» من دون توضيح الأسباب فيما إذا كانت جميعها خاسرة مالياً وإدارياً! وفيما إذا استند في تصريحه إلى تقارير ديوان المحاسبة وإحصاءات رسمية بيّنت خسائر الشركات الحكومية؟ وهل من ضمن التغيير، خصخصة الشركات بما فيها المرتبطة بالأمن الغذائي والخدمات الأساسية والبنية التحتية (شركة المطاحن، الطرق والمياه والكهرباء؟) وهل يتفق طرحه مع توجهات هيئة تشجيع الاستثمار وصناديق هيئة الاستثمار والتأمينات ومع المتغيرات في المنطقة؟

Ad

أما تأكيده على أن «الدين العام لن يمس جيب المواطن» فهو غير مبني على أرقام وحقائق وإحصاءات، فهل تشير جميع الأسباب الرئيسة لتوقف مشاريع الدولة إلى العجز المالي دون الإداري والفني؟ ولماذا اختزل جميع الحلول في الاقتراض فقط بعيداً عن وسائل التمويل الأخرى كالاكتتاب العام، والخصخصة، والأوفست، والإدارة الرشيدة، وتحصيل رسوم أملاك الدولة، واسترجاع الأموال المنهوبة، وتطبيق السياسة المالية لاستدامة التدفقات النقدية؟ فمعظم مشاريع الدولة (إصلاح الشوارع + بنية تحتية + تحسين معيشة المواطن) متأخرة بسبب غياب التمويل والسيولة والإدارة الرشيدة، فالاقتراض من دون خطط ملزمة للحوكمة، وتنويع مصادر الدخل، والإنفاق الرأسمالي، سيؤدي إلى تفاقم حجم الاختلالات الهيكلية الاقتصادية في البلد!!

إن التفاوت بين برامج عمل الحكومة وتصريحات المسؤولين عن صحة التنفيذ ونسب الإنجاز تعطي مؤشرات سلبية للمتابعين والمستثمرين والمواطنين، وتسيء إلى السمعة المالية للدولة، فالتناغم مطلوب بين الخطط والبرامج من جهة وتصريحات القائمين على التنمية وتنويع الاقتصاد وتحسين المالية العامة من جهة أخرى، فهل ستتم محاسبة المسؤولين حكومياً ونيابياً على أقوالهم غير المتطابقة مع أفعالهم عملاً بالآية الكريمة: «وقفوهم إنهم مسؤولون»؟