استعرت هذا العنوان من أحد كتب الفيلسوف ديكارت، حيث كان هذا الكتاب مصدر العبارة الشهيرة «أنا أفكر إذاً أنا موجود» لأنثر خطاب رئيس مجلس الأمة وأعيد تجميعه حتى أصطاد أهم المبادئ والقواعد التي تطور فكر العمل البرلماني وتزيد وعيه وفطنته.

استمعت لذلك الخطاب الطويل، ورأيت من خلاله يد التعاون المزعومة من الرئيس تمللت وتكدرت لعدم وجود علاج لشيخوخة الدولة، وتحسس رقابي لأماكن وبقع السرطان داخل الجسم الإداري، إذ يصدح الرئيس بتقديس الدستور المطلق وكأن العقد الاجتماعي لا يقبل التطوير أبدا، وينادي بالشفافية والحوكمة وكأن البرلمان لا دخل له بتطوير المنظومة القانونية والفكر المؤسسي.

Ad

فكرة النفوذ والدولة العميقة التي يحاول الرئيس وغيره من السياسيين تعزيزها في نفوس الأمة هي الواجهة المزيفة التي تخفي فشل المشرع في بناء مؤسسات توظف تعارض المصالح لخدمة المجتمع وزيادة الإنتاجية، حيث يستطيع الرئيس وهو رجل دولة من الطراز الكويتي، وباحث في التجربة النرويجية أن يطلع على الأنظمة الاقتصادية التي هي في الأصل منظومات اجتماعية، وتجربتها بكيفية الاستفادة من تعارض المصالح وجعلها تخدم المصالح العليا للدولة.

أتفق مع الرئيس بضرورة نشر البيانات والمعلومات عن حالة الاستثمارات العامة حتى نحافظ على متانة هذا النهر وقطع أي شك شعبي بالذراع المالي، لكن أختلف معه بطريقة إثارة الموضوع، وتوجيه البرلمان والحكومة، فطرح «قانون المكاشفة على الأمة» الذي سيجمع الشق المدني والجزائي والإداري والاستثماري والتجاري يخلق حالة من المسؤولية تقع على عاتق السلطة، وهي إدارة الأموال العامة بالطريقة الرشيدة والحريصة وعلى عاتق الشعب بالتكاتف لمواجهة الأزمات المفاجئة أو المتوقعة عن طريق تمويل الخزانة العامة من المدخرات الخاصة وتغير نمط الاستهلاك.

استخدام «المعاناة الشعبية» دون ضوابط وتحديد المسببات هو الخدعة الكبيرة التي يعيشها الشعب مع البرلمانيين، فقضية الإسكان أصبحت الوتر المسموع بعد إسقاط القروض، وارتفاع أجرة المساكن ليست أصل المشكلة بل السبب الاعتماد الكلي على جهاز الإسكان العام الذي يعجز عن مواكبة الطلب المتزايد من السكان، وتطوير المنظومة الإسكانية بالتمويل والمطور العقاري وتحرير الأراضي أمور واجبة الحصول، لكن الخوف ينصب على المراقبة والمتابعة الحكومية واحتواء مثل تلك النواقص يكون بتشريع يقبل التطور الدائم مع المتغيرات العالمية والمحلية.

الرئيس الفاضل: «أنا أفكر إذاً أنا موجود» تتعارض تماما مع المصطلحات الرنانة مثل الفساد ورموزه وعناصره التي استخدمت كخطابات تحرك الشارع، دون إفراغ محتواه بتشريعات تغل يد الغول ومشتقاته. المصطلحات الواسعة والهروب من المسؤولية تحت عباءة السلطة التي تحمي عرى الفساد لن تصون المال العام ولن تمنع تكرار قضايا مثل سرقة الناقلات وصندوق الجيش وضيافة الداخلية وغيرها من حصولها مستقبلاً بأشكال ومسميات مختلفة.