قال التقرير الأسبوعي لشركة «الشال» للاستشارات، إن استدامة المالية العامة التي تمثل أهم أهداف برنامج الحكومة الحالية تواجه سيلاً من المقترحات النيابية الشعبوية التي تعمل على توجيه ضربة قاضية لتلك الاستدامة، معرباً عن أسفه لوجود منافسة وقدوة سلبية من فريق حكومي، عبر بعض الوزراء الذين يتكسبون شعبوياً من وعود وإقرار المكافآت والعطايا، رغم أن الشق المالي خارج اختصاصهم، بينما تفترض الحوكمة ألا يقدم أي وعد أو اقتراح ما لم يقره وزير المالية ووزير الاقتصاد.
المستهدفات الخمسة لـ رؤية 2035
1 - إدارة حكومية فاعلة
2 - اقتصاد متنوع مستدام وبيئة معيشية مستدامة
3 - تحقيق رعاية صحية عالية الجودة
4 - تأسيس بنية تحتية متطورة
5 - تعزيز رأس المال البشري الإبداعي
... ومؤشر تحققها
1 - لا فعالية ولا حتى استقرار بدليل تعاقب 10 حكومات
2 - النفط مازال يمول 90% من النفقات العامة وبيئة الأعمال طاردة للاستثمار
3 - هروب للعلاج بالخارج ومن «عافية» وزيادة الإداريين على حساب التقنيين
4 - تخلف وعجز عن ردم الحفر واستدعينا سفراء دول لمساعدتنا بإصلاح الطرق
5 - التعليم العام متخلف 4.8 سنوات بإقرار الحكومات وجامعتنا خارج التصنيف و40 ألف طالب متورطون في الغش
ورأى «الشال» أن الخلاف حول إقرار قانون الدين العام أو عدم إقراره ليس خلافاً على المبدأ، بل حول الاستخدامات، مبيناً أن التاريخ والحاضر يوحيان بأن استخدامات أي أموال تحصل عليها الحكومة، سوف تؤدي إلى تقويض احتمالات استدامة الاقتصاد واستدامة المالية العامة.
وأكد أن المستهدفات الخمسة لرؤية «كويت 2035» والتي تم استعراضها في مركز جابر الثقافي في يناير 2017، هبطت اليوم إلى ما دون مستواها وقتئذٍ، معتبراً أنها لم تأتِ عن قناعة، بل خوفاً من تداعيات هبوط متصل في أسعار النفط منذ خريف عام 2014.
وحذر من أن «رؤية 2024 – 2040» قد تلقى نفس مصير كل ما سبقها من خطط تنمية، معتبراً أن ما يحدث في الكويت هو الغياب التام للعمل المؤسسي، المرتبط بمشروع الدولة المستدامة، إذ ينبغي «ألا تزول الرؤى بزوال الأشخاص الذين قدموها، وإنما بتسليمها لمن هم أكثر كفاءة وحرص من أجل استكمالها».
وفي تفاصيل الخبر:
أكد التقرير الأسبوعي الصادر عن شركة «الشال» للاستشارات، أن تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد ووزير المالية بالوكالة في لقائه الصحافي مع جريدة «الراي»، وذكر فيها أن رؤية «كويت 2035» لم تحقق شيئاً ملموساً من أهدافها، هو نقد صحيح ومستحق، لكنه دون الواقع، فالمستهدفات الخمسة للرؤية هبطت اليوم إلى ما دون مستواها في بداية عام 2017.
وقال «الشال»، إن المستهدفات التي تم استعراضها، في مركز جابر الثقافي، يناير عام 2017، لم تأتِ عن قناعة، إنما جاءت نتيجة خوف من تداعيات هبوط متصل في أسعار النفط منذ خريف عام 2014، اضطرت معه الكويت إلى الذهاب لأسواق المال العالمية من أجل الاقتراض مقابل تقديمها خطة إصلاح مالي واقتصادي، بعدها لم يتم الالتزام بأي من تلك المستهدفات على الإطلاق.
أول المستهدفات هي «إدارة حكومية فاعلة»، ومنذ ذلك التاريخ تشكلت في الكويت 10 حكومات، والوزراء التسعة زائداً رئيس الوزراء ونوابه الذين استعرضوا تلك المستهدفات في يناير 2017، لم يعودوا ضمن الحكومات الأخيرة، أي إنه حتى استقرار الحكومات وليس فعاليتها، لم يتحقق.
ثاني المستهدفات «اقتصاد متنوع مستدام وبيئة معيشية مستدامة»، والاقتصاد مازال يولد بنسبة 70% من قطاع عام ضعيف الإنتاجية عالي التكلفة، وزادت نسبة العمالة المواطنة فيه لتبلغ 84% من إجماليها، وهبطت لدى القطاع الخاص، ومازال النفط يمول 90% من النفقات العامة، وارتفع الإنفاق العام من مستوى 20 مليار دينار إلى 26.3 ملياراً ما بين موازنة ذلك العام والموازنة الحالية، وارتفعت النفقات الجارية ضمنه إلى نحو 90%، وزادت طوابير الباحثين عن عمل، وأصبحت بيئة الأعمال طاردة للاستثمار المباشر المحلي والأجنبي، وكلها مضادات للاستدامة.
المستهدف الثالث هو «تحقيق رعاية صحية عالية الجودة»، والإنفاق على الخدمات الصحية من أعلى مستويات الإنفاق في العالم، ومازال الهروب من تلك الخدمات إلى العلاج في الخارج الفاسد في معظمه، قائماً، ومازال الهروب من الخدمات المجانية لمثل مشروع «عافية» وإضافاته قائماً، ومازال الاختلال كبيراً بين نسبة المحسوبين من التقنيين على تلك الخدمات إلى غيرهم من الإداريين لمصلحة الفئة الأخيرة.
والمستهدف الرابع «تأسيس بنية تحتية متطورة»، ومجرد عقد مقارنة بين المستوى والكلفة والمدى الزمني لإنجاز تلك البنى مقارنة بدول الجوار كافٍ للحكم على مدى تخلفها ومدى فسادها، حتى أننا استدعينا سفراء دول لإعانتنا على إصلاح طرقنا، ومازلنا عاجزين عن ردم حفرها.
وخامسها «تعزيز رأس المال البشري الإبداعي»، وفي برامج الحكومات منذ ذلك الحين بند يقر بأن التعليم العام متخلف 4.8 سنوات، والجامعة العامة الوحيدة خرجت من التصنيف، وهناك تهم غش طالت نحو 40 ألف متورط، والمخفي أعظم، ومعظم فرص العمل لمخرجات ذلك النظام اصطناعية وليست سوى بطالة مقنعة غير مستدامة.
وما حدث قد حدث، والإقرار به أمر طيب، لكن، الإقرار بالفشل حدث سابقاً مع كل خطط التنمية التي سبقت تلك الرؤية، وقد يكون مصير رؤية 2024 – 2040 هو نفس المصير، فما يحدث في الكويت هو الغياب التام للعمل المؤسسي، أي العمل المرتبط بمشروع الدولة المستدامة، صحيح أن استقرار الإدارة العامة أو الحكومات أمر مهم، لكنها رؤى لا تزول بزوال الأشخاص الذين قدموها، وإنما بتسليمها لمن هم أكثر كفاءة وحرص من أجل استكمالها.
وفي نفس اللقاء مع جريدة «الراي»، يذكر نائب رئيس الوزراء المعني بالشأن الاقتصادي والمالي ما معناه بأن الدين العام أداة تمويل ضرورية واللجوء إليه ضمن مستهدفات برنامج الحكومة لمواجهة احتياجاتها المالية.
وذلك صحيح من الناحية النظرية، لكنه محكوم بشرطين، الشرط الأول، مالي، وهو أن تقل تكلفة الحصول على التمويل عما تحققه الجهة المقترضة من عائد على استثماراتها، والشرط الثاني اقتصادي، وهو أن العائد من استخدامات تلك الأموال، إما أنه يحقق عائداً مالياً أعلى من تكلفته، أو أنه يحقق عائداً اقتصادياً بائناً، مثل خلق فرص عمل مواطنة مستدامة أو إنتاج سلعي أو خدمي متفوق نوعاً وسعراً، ذلك ليس حال الكويت تاريخاً وحاضراً.
وذكرنا أن «رؤية الكويت 2035 – كويت جديدة» بأنها جاءت بعد لجوء الكويت للاقتراض من السوق العالمي، والواقع أن الفريق المالي الكويتي وبناء على طلب من المقرضين استعرض نوايا الإصلاح المالي والاقتصادي لهم، ونكث بكل وعوده.
وفي 8 سنوات فقط، حققت الموازنة العامة عجزاً متراكماً بلغ نحو 41.8 مليار دينار، صاحبها استهلاك كامل سيولة صندوق الاحتياطي العام، وبحلول صيف 2020، صرح وزير المالية الكويتي آنذاك بأنه قد يعجز خلال شهرين عن سداد الرواتب والأجور، رغم وقف تحويل الـ 10% من جملة الإيرادات العامة لمصلحة احتياطي الأجيال القادمة، ورغم بيع أصول محلية من الاحتياطي العام لاحتياطي الأجيال القادمة.
وفي الحاضر، ارتفعت النفقات العامة للسنة المالية الحالية 2023/2024 بنحو 11.7% في سنة واحدة، والزيادة ذهبت إلى نفقات جارية رفعت من نسبتها إلى إجمالي النفقات العامة إلى سقف غير مسبوق، وبحدود 90%.
ورغم أن أهم أهداف برنامج الحكومة الحالية هو استدامة المالية العامة، إلا أن سيلاً من مقترحات شعبوية من بعض النواب تعمل على توجيه ضربة قاضية لها.
وذلك للأسف يجد منافسة وقدوة سلبية من فريق حكومي، فهناك وزراء يتكسبون شعبوياً من وعود وإقرار المكافآت والعطايا، والشق المالي خارج اختصاصهم، بينما تفترض الحوكمة ألا يقدم أي وعد أو اقتراح مالم يقره وزير المالية ووزير الاقتصاد.
وفي خلاصة، الخلاف حول إقرار أو عدم إقرار قانون الدين العام، ليس خلاف على المبدأ، ولكنه خلاف حول الاستخدامات، فالتاريخ والحاضر يوحي بأن استخدامات أي أموال تحصل عليها الحكومة، سوف تؤدي إلى تقويض احتمالات استدامة الاقتصاد واستدامة المالية العامة، وكلنا يعرف حجم المخاطر على استقرار البلد المترتبة على عدم استدامتهما.