يختلف المشهد في القارة الإفريقية إذا نظرنا إليها من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الرياضية أو الفنية، أو من ناحية المؤسسات الإفريقية الناشطة في العديد من عواصم بلدانها.

ولسنا بحاجة للدخول في تفاصيل مشهد الأوضاع السياسية المضطربة التي تتابعها مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وآخرها ما يحدث في دولة النيجر منذ استيلاء العسكر على مقاليد الحكم، ووضع الرئيس المنتخب ديموقراطيا محمد بازوم رهن الاعتقال هو وأسرته، وما يتم تناقله من إمكانية التدخل عسكريا من قبل مجموعة الإيكواس، ناهيك عن محاولات الوساطة وإيجاد حلول سلمية لهذه الأزمة الإفريقية الجديدة، ومختلف الزيارات التي تتم للعاصمة النيجرية نيامي من العديد من الأفراد والجماعات وممثلي الدول والمنظمات الدولية والإفريقية.

Ad

ولا ننسى المشهد المأساوي والمحزن الذي تعيشه دولة السودان، ولا الحرب الأهلية العبثية التي اندلعت في هذا البلد الإفريقي العريق منذ خمسة أشهر، كما لا تلوح في الأفق أي بوادر فعلية لنهاية هذه الحرب التي تسببت بقتل المئات من السودانيين، بالإضافة لما لحق من دمار للأحياء السكنية، وتعطيل للعديد من المرافق الحيوية، وخراب للبنية التحية لمختلف المدن السودانية، وما نتج عنها أيضا من هجرة ونزوح لآلاف من السودانيين إلى دول الجوار وغيرها من الدول لتلحق قوافل الهجرة من السودان بقوافل غيرها من المهاجرين والنازحين من مختلف بلدان العالم.

ولكن يجب ألا تكون انطباعات الحروب والقتل والدمار والهجرة والنزوح هي الغالبة على بلدان القارة الإفريقية، بل من المفروض أن نذكّر بالإنجازات التي تم تحقيقها منذ خروج القوات الاستعمارية من بلدانها في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الفائت، وما أريد أن أركز عليه من الإنجازات هو نجاح البلدان الإفريقية بتأسيس منظمات إقليمية فعّالة ومتميزة، ويأتي في مقدمتها بالطبع الاتحاد الإفريقي الذي كان يُعرف سابقا بمنظمة الوحدة الإفريقية التي تأسست عام 1963 واختيرت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقرا لها، وحل الاتحاد الإفريقي محل هذه المنظمة في عام 2002، وسيكون مطولا الوقوف على نجاحات وإنجازات هذا الاتحاد، ولكن يأتي في مقدمة هذه الإنجازات اعتماد العديد من صكوك حماية حقوق الإنسان، وأهمها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981، وجاء بالإضافة إلى الحقوق والحريات التي نص عليها هذا الميثاق المهم، تأسيس اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وعدد أعضائها 11 عضوا، ومقرها مدينة بانجول في دولة غامبيا، كما اعتمد الاتحاد الإفريقي بروتوكولا نص على تأسيس المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وعددها قضاتها 11 قاضيا، ومن بينهم حاليا قاض من تونس، وقاضية من الجزائر، ومقرها مدينة أروشا في جمهورية تنزانيا.

لا بد في مشهد أخير أن نقارن بين جامعة الدول العربية وهذا الاتحاد الإفريقي، فعلى الرغم من تباعد تواريخ تأسيس هاتين المنظمتين الإقليميتين الأولى عام 1945 والثانية عام 1963، فإن الإنجازات التي حققها الاتحاد الإفريقي تضاهي إنجازات جامعة الدول العربية لو اقتصرنا بالذات على مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فالنسخة المعّدلة والأحدث للميثاق العربي لحقوق الإنسان تم اعتمادها عام 2004، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تم اعتماده عام 1981، وبدأت المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب مهامها عام 2004، واعتمد مجلس جامعة الدول العربية نظاما لمحكمة عربية لحقوق الإنسان عام 2014، ولم تباشر هذه المحكمة عملها، لأن المطلوب مصادقة 7 دولة عربية على هذا النظام، وهو ما لم يتم بعد.

تبقى المشاهد في القارة الإفريقية متنوعة ومختلفة ومتباينة، ولكن يجب ألا يغيب عن أذهاننا، وعلى الرغم من الحروب والصراعات والانقلابات والمآسي التي تعانيها بعض بلدان هذه القارة، المشاهد المتميزة لها في مجالات عدة ومن بينها السعي إلى تشييد منظومة فعلية وفعّالة لحماية حقوق الإنسان في هذه القارة.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم في فرنسا.