أبرز عدد من الأدباء الكويتيين، في لقاءات متفرقة، أهمية الدور الذي مارسه النتاج الأدبي الوطني الشامل في مقاومة وتأريخ العدوان العراقي الآثم على الكويت، الذي استمر قرابة سبعة أشهر، وصادفت ذكراه الأليمة الـ 33 الثاني من أغسطس الجاري.

وقالت الأديبة د. الشيخة سعاد الصباح: «لقد كان الأدب بالنسبة لي قبل تلك الأيام ملاذاً، وعندما اختطف الوطن وحدثت الكارثة تحوَّل الشعر إلى كتيبة تقدمت إلى الصفوف الأمامية، فقررت أن أكتب بالرصاص بدلاً من الحبر».

Ad

وتابعت: «كل الفنون، وليست المكتوبة والمنطوقة فقط، كانت وسيلة دفاع مهمة عن الوطن، مثل الكاريكاتير والفن التشكيلي والمسرح والأعمال الإذاعية، إذ تحولت إلى جيوش في خدمة الكويت دفاعاً عن الحق والقضايا العادلة».

وأعادت الشاعرة سعاد الصباح إلى الأذهان جانباً من حراكها الأدبي خلال فترة الغزو، قائلة إنها أصدرت كتاب «هل تسمحون لي أن أحب وطني»، ثم أنتجت ديوان «برقيات عاجلة إلى وطني»، وأشعاراً مغناة مثل الملحمة الشعرية «نقوش على عباءة الكويت» و»نحن باقون هنا» التي أداها نجوم الفن والغناء في الخليج العربي، مبينة أن هذه «الأعمال مازالت مطبوعة في ذاكرة الكويت والخليج، وتشرح الصورة بشكل واضح».

وأضافت أن تلك الأعمال آزرتها وساندتها عطاءات أدبية كثيرة دعمتها ونشرتها دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع، بفتح الأبواب للشباب، وطبع نتاجهم الشعري والقصصي الذي تناول تلك الفترة.

وبسؤالها عما يعرف بالقوة الناعمة للأدب، ذهبت الدكتورة الصباح إلى وصفها بـ «القوة الضاربة، فالدول بلا آداب تذبل وتتلاشى»، معربة عن قناعتها بأن «الأدب هو المرآة لما حدث، والصورة بأوجاعها الثلاثية»، وفقاً لتعبيرها.

الحق الكويتي

من جهته، أكد الأديب الكويتي طالب الرفاعي أهمية الأدب في المناضلة عن الحق الكويتي، شارحاً أنه لم يقتصر على أدباء الكويت، إنما تعدى إلى المثقفين العرب، الذين قال إنهم سجلوا مواقفهم المشرفة المساندة لقضايا الكويت الشرعية العادلة.

واستشهد في هذا الإطار بالدور الإيجابي للروائي السوري هاني الراهب، عازياً هذا الدور لـ «الوصل الثقافي العربي» الذي مدت جسوره الكويت حتى قبل استقلالها عام 1961 من خلال إصداراتها، حيث زرعت مجلة العربي في كل زاوية بالوطن العربي، وأدخلتها كل بيت، وكذلك سلسلة «المسرح العالمي»، إضافة إلى جميع السلاسل والإصدارات الأخرى للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وبيَّن أن الكتابات الأدبية الكويتية بدأت منذ اليوم الأول من الغزو العراقي الغاشم، متجسدة في الشعر، ثم القصص القصيرة، وتالياً جاءت الرواية، مستذكراً مجموعة ممن لهم بصمة في ذلك أمثال المرحوم الشاعر فايق عبدالجليل، والروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وغيرهما من الأسماء التي صدحت في الدفاع عن الحق الكويتي، مشيراً إلى مساهمته في ذلك بمجموعة قصصية (أغمض روحي عليك).

وقال الرفاعي، إن هذه الأسماء المرموقة أدبياً أظهرت في أعمالها معاناة الكويتيين، وفضحت الممارسات الوحشية والقمعية للنظام العراقي، والتي أصابت الكويتيين من نساء ورجال وشيوخ وأطفال، مشدداً على أنها أضرت بالإنسان والبيئة في الكويت «فلم يسلم البحر من الأذى، وأشعلت النيران في آبار النفط وتلوث الهواء، مشكلاً غمامة سوداء خانقة» تجاوزت الحدود الكويتية إلى مناطق بعيدة.

الأديبة الدكتورة الشيخة سعاد الصباح - الأديب الكويتي طالب الرفاعي - الأديب الكويتي وليد الرجيب

وعبَّر عن رؤيته للأدب، باعتباره - بمختلف أشكاله - موثقاً للأحداث «يبقيها دائماً حاضرة»، مشيراً إلى أن ما يميز الأعمال الأدبية عن الأعمال التقريرية، هو قدرتها على «الغوص في النفس البشرية، وجعلها تتحدث عن معاناتها وآلامها وآمالها، ويشرك القارئ فيها بعاطفته وأحاسيسه».

ولفت إلى أن للكلمة قوة ناعمة في التأثير على مختلف شرائح المجتمع، وتكوين قناعاتهم وآرائهم، «فمختلف الأنظمة تعلم مدى تأثير الكلمة والكتاب على الأفراد».

أهمية الأدب والفن

أما الأديب وليد الرجيب، فشارك زملاءه التأكيد على أهمية الأدب والفن، بوصفهما «أفضل وسيلة لحفظ التاريخ»، مشيراً إلى رسوخه في العقول، لاسيما في ذاكرة الأجيال الصغيرة، مسترسلاً: «فالأدب يتعلق بالخيال والمشاعر، ويتسم بأسلوب إبداعي، وليس توثيقياً جامداً يمكن تحريفه بسهولة عبر الزمن».

وأوضح أن النماذج الكويتية الأدبية التي تناولت بأعمالها فترة الاحتلال كانت في الغالب موجودة بالكويت، واستذكر الأدوار البارزة على هذا المستوى لكل من ليلى العثمان وثريا البقصمي وسليمان الشطي، وغيرهم من الأدباء، مشيراً إلى تفاعل مجموعة منهم كانت موجودة خارج الكويت مع الحدث أثناء فترة الاحتلال، كالأديب خليفة الوقيان.

ورأى أن «توثيق الأدب للتاريخ أصدق بكثير وأكثر تأثيراً من الأفلام الوثائقية والصور الفوتوغرافية»، معللاً ذلك بالقول إن «الأدب يفرغ المشاعر في الكتابات على عكس الأفلام الوثائقية».

وفي المعنى نفسه، قال إن «المشاعر هي أكثر ما يرسخ في عقل الإنسان، وإن كلاً من الأغنية والحكاية تستخدم في التربية والتعليم لحفظ لمعلومات في عقول الأطفال».

وشدد الرجيب على أن كل الدول تعتبر الثقافة بشكل عام والأدب والفن بشكل خاص من أهم القوى الناعمة التي تستخدمها لتأكيد هويتها وسيادتها، متابعاً أن هذا الأمر انعكس جلياً في المواقف المساندة للكويت «فكثير من الدول وقفت معنا، بسبب حضور بلدنا الثقافي، وسمعته كمركز تنويري متألق».

ونبه إلى أن النظام العراقي في محاولته للسيطرة على الكويت العصية على العدوان استهدف في البداية «الرموز الثقافية مثل جامعة الكويت والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام»، مشدداً على أنه «لا يمكن السيطرة على شعب من دون تغيير هويته الثقافية»، مستذكراً فشل النظام العراقي البائد في ذلك، بسبب مقاومة الشعب الكويتي والدفاع عن هويته الوطنية والثقافية.

وفي الختام، فإن المتبحر في أعماق التاريخ الكويتي، خصوصاً في موروثه الثقافي والأدبي، ستبرق في ناظريه أنبل نماذج الصمود والبسالة والتضحية والعطاء التي فدى بها الأبناء أمهم الكويت، حتى تم طرد العدو وتطهير أراضيها من دنس الجنود الطغاة الغادرين المعتدين، وعادت الشرعية الكويتية إلى موئلها بكل رونقها وألقها وسيادتها.

ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك استشهاد الشاعر فايق عبدالجليل، الذي لم يتوان في واجبه أبداً إبان فترة الغزو، رغم أن الحركة الأدبية الكويتية كانت مستهدفة برمتها ورموزها وتحت الخطر الشديد، إلا أنها استمرت شامخة صامدة، كما فعل الشعب الكويتي في وجه كل التحديات ممارسة دورها الوطني البطولي في التوثيق والتصدي للاحتلال العراقي المشين، وتأريخ هذه الفترة المصيرية، لتبقى محفورة في الذاكرة والوجدان والقلوب على مدى الأجيال.