أشرت في المقال السابق إلى اهتمام حكام الكويت بمشاركة أهل البلاد ورجالها ومثقفيها وعلمائها في اتخاذ القرارات المهمة، وانعكست هذه الاهتمامات في قرار عودة التجار الذين هاجروا وهم على خلاف مع الشيخ مبارك، ثم قرار الشيخ أحمد الجابر بتأسيس أول مجلس للشورى في الكويت، فقد تم ذلك استجابة من حاكم البلاد لرغبة رجالها الواعين والمهتمين بمستقبل البلاد، وتم تعيين مجلس للشورى عام 1921 يرأسه التاجر الكبير حمد بن عبدالله الصقر ومعه مجموعة من رجال الكويت، هم: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وشملان بن علي آل سيف، وهلال بن فجحان المطيري، وإبراهيم بن مضف، ومرزوق الداود البدر، وأحمد الحميضي، وخليفة بن شاهين الغانم، والشيخ عبدالعزيز الرشيد، وعبدالرحمن سيد خلف النقيب، وأحمد الفهد الخالد، ومشعان الخضير.
ورغم أن المجلس لم يستمر طويلاً بسبب نشوب خلافات شديدة بين أعضائه، فإنّ وجوده القصير مهّد الطريق للوصول إلى التجربة الأكبر والحدث الأهم بعد 17 عاماً، وهو مجلس الأمة التشريعي الذي سنتحدث عن بعض تفاصيله في المقال المقبل.
يقول عبدالله خالد الحاتم في كتابه الشهير «من هنا بدأت الكويت» إنه «ما كاد الشيخ أحمد الجابر يسمع بخبر وفاة عمه الأمير سالم المبارك، حتى قطع مفاوضاته مع ابن سعود، وعاد إلى الكويت على عَجَل، فاستقبله الكويتيون بالحفاوة والتكريم، وبايعوه، وكانوا قد أعدوا مشروعاً بتشكيل (مجلس شورى) لإدارة البلاد وعرضوه عليه أثناء مبايعتهم له، فوافق الأمير أحمد الجابر الصباح على هذا المشروع، وعاهدهم على ألّا يبرم أو ينقض أمراً إلا بعد موافقة المجلس».
ويقول الشيخ عبدالعزيز الرشيد إن الشيخ أحمد الجابر «أفسح لهم المجال بتأسيس مجلس ينظر في شؤون البلد ومصالحها ليكون عوناً له في إدارة الأمور والأحكام، وعاهدهم ألا يبتّ في أمر مهم إلا بتصديق المجلس عليه.
وقد تأسس فعلاً وانتخب له الفاضل حمد آل صقر رئيساً»... فهل ننسى دور هؤلاء الرجال في المساهمة في بناء البلاد والاهتمام بشؤونها، والسعي إلى استقرارها، ووضع القوانين العادلة لها؟ هل ننسى كيف ضحّوا بأوقاتهم، وأموالهم، وعلاقاتهم، وأملاكهم، في سبيل تنمية المجتمع، وتطويره، والاجتهاد في إرساء مبادئ العدالة والمساواة ومكافحة الفساد؟ هل ننسى دورهم؟!
في المقال المقبل سنتحدث عن تجربة أخرى وقعت في عامَي 1938/ 1939، وكان لها أثر بالغ في التاريخ السياسي الكويتي، وهي تجربة مجلس الأمة التشريعي.