ثلاثة أحداث في ثلاثة أيام ضجت بها الطائفة الشيعية في لبنان، الأول خروج تحركات احتجاجية في بعض البلدات الجنوبية رفضاً للواقع الاجتماعي والاقتصادي، تخللها مواقف اعتراضية على المسؤولين في «حزب الله» وحركة «أمل».
وتمثل الثاني في نزع هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأهلية عن 15 شيخاً لديهم مواقف متمايزة عن الحزب والحركة، ما أحدث بلبلة كبرى دفعت المجلس إلى إصدار بيان ينفي علمه بقرار الهيئة.
أما الثالث فكان الكشف عن خلية إرهابية في منطقة حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت، عملت قوة من «حزب الله» على تنفيذ مداهمة أوقفت شخصين وانتحار المطلوب الأساسي.
هذه الأحداث الثلاثة، تطرح تساؤلات كثيرة داخل الطائفة الشيعية، وإذا كانت هناك جهات تعبث في الواقعين الاجتماعي والأمني للطائفة، أم أن تركيز الحزب على خلايا تنظيم «داعش» هدفه العودة إلى لغة تقديم أولوية الأمن على غيرها من المطالب المعيشية والاجتماعية، وإعادة شد العصب داخل الطائفة، وتجاوز أي محاولات لإحداث بلبلة من خلال طرح الملفات الحياتية والمطالب المعيشية.
كل ذلك يؤشر إلى واقع لم يعد بالإمكان إغفاله، لا سيما أن معطيات كثيرة تؤكد تنسيقاً كبيراً بين «حزب الله» والجيش لتنفيذ خطة أمنية داخل الضاحية في إطار مكافحة تجاوزات تجارة المخدرات، أو فرض الإتاوات أو الصراعات بين أصحاب المولدات، إذ لا يريد الحزب أن يصطدم بهؤلاء، ويفضل أن يتولى الجيش المهمة.
كل هذه الوقائع، تشير إلى أنه لا إمكانية لاصطفاء البيئة الشيعية عن غيرها، وهو ما يثبت سقوط نظرية أن هناك طائفة أقوى من أخرى في مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
هذا الواقع لا بد أن يفرض نفسه على الثنائي الشيعي في المرحلة المقبلة، وسيدفع باتجاه الذهاب إلى البحث عن تسوية يُعاد بموجبها تشكيل السلطة، تحسباً للذهاب إلى مراحل متقدمة من الانهيار الاجتماعي، وستفرض هذه التطورات نفسها في تحدّي الثنائي الشيعي الذي لا بد له أن يبحث عن تسويات في سبيل تجنّب أي محاولة للعبث داخل بيئته، التي كان يعتبرها محصنة ضد أي تحركات احتجاجية.
عملياً، لا يمكن لـ «حزب الله» التساهل مع أي تفلت اجتماعي او اقتصادي في بيئته، في ظل توترات سياسية وأمنية مع البيئات الأخرى، كما حصل مع الدروز في شويا، والسنّة في خلدة، مروراً بحادثة الطيونة، وصولاً إلى حادثتي عين أبل، والكحالة، التي أنتجت توتراً مع المسيحيين.
كل هذه الوقائع ستفرض على الحزب في المرحلة المقبلة، مقاربة الملفات بطريقة مختلفة، من خلال البحث عن تسويات مع القوى الأخرى، واستعادة العلاقة مع التيار الوطني الحرّ، أما استمرار الترهل والضغوط فقد يؤدي في النهاية إلى تقدم خيار الذهاب للبحث عن تسوية رئاسية بموجبات أمنية فيتقدم حينها خيار قائد الجيش جوزيف عون.