أعلنت وزارة المالية هذا الأسبوع البدء في إجراءات تحويل ملكية ثلاث قطع أراضٍ حكومية بمساحة 842 ألف متر مربع إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بقيمة 2.5 مليار دينار (نحو 8.1 مليارات دولار) لاستثمارها «دعماً للمتقاعدين من خلال تعزيز المركز المالي والاقتصادي للمؤسسة، وضمان استدامتها، وتخفيضاً للعجز الاكتواري المقيد بميزانية المؤسسة»، حسب تصريح الوزير سعد البراك.

ويأتي إعلان وزارة المالية بموجب القانون رقم 4 لسنة 2022، المعروف بـ «قانون منحة الـ 3000 دينار للمتقاعدين»، الذي ألزم الخزانة العامة - دون تحديد إن كانت تمثّل الميزانية العامة للدولة أو الاحتياطي العام أو أملاك الدولة - بسداد 500 مليون دينار سنوياً نقداً أو عيناً لمؤسسة التأمينات، لحين سداد كامل العجز الاكتواري البالغة قيمته، حسب آخر إفصاح رسمي عام 2022، نحو 24 مليار دينار.

Ad

5 أقساط

وحسب إعلان وزارة المالية، فإن خزانة الدولة بتحويلها قطع الأراضي الثلاث إلى ملكية «التأمينات» تكون قد سددت التزامات خمسة أقساط من 48 قسطاً لـ 48 سنة قادمة، وهو افتراض أوّلي قائم على ثبات العوامل الخاصة بالعجز الاكتواري الذي يُتوقع ارتفاعه وفقاً لعوامل عديدة، أهمها اختلالات سوق العمل المتوقع أن يشهد ضغطاً من مئات الآلاف من الشباب خلال السنوات القادمة، ومزايا التقاعد والمزايدات الشعبوية بين الحكومة والعديد من نواب مجلس الأمة، فضلاً عن ضبابية أوضاع الصناديق الاستثمارية الخاصة بالتأمينات، ومدى قدرتها على تغطية العجوزات الاكتوارية بالتوازي مع نمو التزامات «التأمينات» سنوياً.

تداعيات المنحة

وفي الحقيقة، لا يمكن المرور على القانون رقم 4 لسنة 2022 دون التمعّن بتداعياته، فلا الـ 3000 دينار منحة للمتقاعدين حسّنت أوضاعهم المعيشية مقابل زيادة التضخم منذ إقرارها ثم صرفها في يوليو 2022، إذ تشير آخر بيانات الإدارة المركزية للإحصاء إلى ارتفاع الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين «التضخم» في الكويت بنسبة 3.75 في المئة خلال شهر يوليو الماضي على أساس سنوي، ولا الخزانة العامة تجنبت تحمل فاتورة العجز الاكتواري الخاص بالتأمينات دون أي اعتبار لأوضاع سوق النفط المؤثر الأساسي على الميزانية أو أوضاع الأسواق العالمية وتداعياتها على استثمارات الدولة وأصولها.

إضاعة فرص

إضافة إلى تضييع فرص فتح نقاش جدّي حول ما إذا كانت الحكومة بالتواطؤ مع مجلس الأمة آنذاك تسعى إلى تمريره أو «سلقه» بشأن رفع سن التقاعد، وهو أمر في جميع دول العالم يتطلب نقاشاً عاماً مهنياً وواسعاً يضمّ الأطراف ذات الصلة من حكومة ونواب ونقابات واتحادات ومتقاعدين ومشتركين ومختصين، وأن يكون متضمناً الأرقام والجداول والحسابات المتوقعة، وشاملاً الأبعاد المالية والقانونية، وليس تصويتاً سريعاً كما كان يُخطط له في جلسة إقرار قانون رقم 4 لسنة 2022، فضلاً عن وأد فرصة نقاش لمقترح آخر جدّي يتعلق بـ «إطلاق نظام للادخار والاستثمار الاختياري، لمن يريد رفع معاشه التقاعدي من خلال استقطاع إضافي».

سوء إدارة أيضاً

بل إن الغرض الأساسي من قانون المنحة - إلى جانب إقرار بيع الإجازات وتخفيف ضوابط الصفوف الأمامية وغيرها من المشاريع المالية والشعبوية - وهو إبقاء مجلسَي الوزراء والأمة أطول فترة ممكنة، لم يتحقق، إذ حُلّ مجلس الأمة بعد أقل من شهر من إقرار القانون ورحل مجلس الوزراء معه.

ولعل الإنصاف يستوجب ألّا يتم حصر مشكلة أنظمة التقاعد في الكويت بالشعبوية، سواء كانت حكومية أو برلمانية، فثمّة أزمة أخرى تتعلق أيضاً بإدارة مؤسسة التأمينات التي عانت منذ نحو أكثر من 20 عاماً من شبهات فساد بمئات ملايين الدنانير أضرّت بثقة الناس بالمؤسسة ومصداقية قراراتها وسياساتها أكثر مما أضرّت حتى بقيمة أصولها، ثم بسوء إدارة ورّط البلاد باعتباره الارتفاع الاستثنائي في أسعار الأصول والاستثمارات أرباحاً صافية - قبل أن تتخلى لاحقاً عن سياسة الإفصاح عن نتائج الأداء - بعدما وضعت المؤسسة واستثماراتها في مواجهة قوى شعبوية افترضت أرقاماً غير واقعية للمكافأة المنتظرة، فضلاً عن طلب تكرارها سنوياً، وصولاً إلى الوضع الحالي الخاص بخلوّ المؤسسة من القياديين - كما الوضع في العديد من الجهات الأخرى - مما يعرقل قراراتها ويقيّد أي تطوير محتمل في سياساتها، بل ويخضعها لضغوط متنوعة كإدارة غير مستقرة.

الهدف الأسمى

ولا شك في أن استدامة «التأمينات» هو الهدف الأسمى الذي يجب على الدولة الإصرار بكل مؤسساتها على تحقيقه، فالتأمينات في أصلها هي نظام يستقطع الاشتراكات ويستثمرها حيث تنمو المحفظة ليسدد المعاشات التقاعدية، مع ضمان استدامتها، بالتالي فإن «منحة» من الخزانة العامة كتحويل الأراضي أو الأسهم العينية أو الأموال النقدية يجب أن تعامَل كأموال استثنائية مخصصة لسداد العجز الإكتواري، وليس لفتح شهية المزيد من الإنفاق غير الاستثماري أو المزايا الشعبوية.

ففكرة المنحة في الأصل يجب ألا تكون ضمن قاموس «التأمينات»، وما دامت أمراً واقعاً، فإن أدنى درجات الحصافة أن تُدار بآلية سليمة بعيدة عن متطلبات الشعبوية وأطماع التكسب من أن تكون مجالاً لصفقات غير شفافة أو مخالفة للقانون، وتنفيعاً لأطراف على حساب المشتركين والمتقاعدين.