الشعب الكويتي العاشق
حكومة حباها الله بتأييد شعبي كاسح تجسده إرادة شعبية تمخضت عن مخرجات انتخابية أفرزت أغلبية برلمانية شبه مطلقة مؤيدة للحكومة، ورئيس مجلس أمة على غير طبيعته وغريزته السياسية يغزل أرق أشعار المديح ببلاغة طاغية ويدَّبج خطباً عصماء بعاطفة متفجرة تهدر بإيمانه الصلب بمصداقية الحكومة وثقته بها، وقبل كل ذلك وجود رأي عام معصوم من كل شك في نوايا الحكومة لأنه انبثاق تلقائي من شوق شعبي جارف يتنبَّع من قلب يَمْحُض رئيس الحكومة حباً يزري بعشق شعراء المتصوف كابن الفارض وشعراء الهيام والغرام كابن الملوَّح.
كان يفترض أن تبادل الحكومة هذا الشعب حباً بحب وصدقا بصدق وتترجم هذا الحب إلى برنامج عمل تزِن حروفه بمثاقيل كالنمل بل ببيض النمل وتترجمه بحساب الأسابيع لا السنوات الطوال، كما أنجزت السعودية مشروع البوليفارد في 10 شهور وجامعة الأميرة نورة في 25 شهراً.
نعم برنامج عمل يستبطن مخططاً وأهدافاً تمثل خروجاً عن المألوف وتلجُ بنا إلى عالم الأحلام الخارق لحدود المعقول من جنس أيقونة مستطيل أو مربع نيوم السعودي الذي لا يخطر في عجائبيته حتى على خيال مُنتجي أفلام الفانتازيا السينمائية، وجموح بل جنون الخيال الإماراتي الذي نقل متحف اللوفر بعملية استنساخية جعلته مستقراً على أرض أبو ظبي كأنه عرش بلقيس، أم تمرد الخيال القطري على الممكن والمُحال الواقعي ليفضي هذا التمرد إلى نحت شواخص فعاليات ومتطلبات مباريات كأس العالم بعد أن أقلعت بإمكاناتها إلى مستويات شاهقة كسرت رقاب المراهنين على فشلها إقليميا ودولياً، كما أضحكتنا على نبوءات نوستراداموس عندنا بفشلها لأن كوارث مرعبة راودت باطن عقله ستحول دون وقوع معجزة مباريات كأس العالم، فأتى الواقع بوقائعه أصدق أنباءً من الكتب في حدِّه الحَدُّ بين الجدِّ واللَّعِبِ.
أما عندنا فلا يوجد إلا اللحن النشاز المكرور، إنه شعار تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وبرنامج عمل عقيم تلوكه الحكومات منذ 13 سنة، وهو عبارة عن استهدافات هي في الواقع إنجازات سنوية نمطية متوقعة بعضها تم إنجازه منذ ما يزيد على عشر سنوات، كالشراء الجماعي الذي وضع من أهداف برنامج العمل مع أن هذا الشراء الجماعي مُنْجَز ويصدر منذ عشر سنوات دليل الشراء الجماعي الذي تسترشد به الوزارات والجهات الملحقة وقس على ذلك!!
رحم الله الشيخ ناصر صباح الأحمد الذي أرجو من الجميع أن يعيد الاستماع الى مقابلته ومشاهدته وهو يتكلم بإيمان وإلمام بتفاصيل المشاريع، وبطرح علمي رزين، وكأن حلم مدينة الحرير معجون بكيانه ونبضه حين عرض مشروع مدينة الحرير الذي يحقق تنويع مصادر الدخل، فهو يحتضن الميناء الدولي الضخم وخطوط الاتصال والنقل عبر سكك القطارات التي تربط دول الخليج، وتمتد إلى إيران والعراق وتركيا ومنها إلى دول أوروبا، ويشتبك عبر زراعة المراكز المالية وإقامة المشاريع التجارية، والترفيهية، والإسكانية، والثقافية، والتعليمية، والطبية مع احتياجات دول ذات كثافة سكانية عالية في إيران والعراق ليقدم لها أرقى الخدمات في هذه المجالات، وفق أحدث الخبرات العالمية، فتحل المصالح محل العداوات، مع بيئة مؤسسية وإدارية وقانونية مستقلة ومتحررة من البيروقراطية ومغرية للاستثمار وجاذبة للمستثمرين، فضلاً عن توفير 400 ألف وظيفة وتهيئة ظروف العيش والسكن في هذه المنطقة للمستثمرين والعاملين المؤهلين، مما يعني نفي العمالة غير المنتجة وتوفير الحماية من دول العالم التي ستستثمر وتوطِّن مواطنيها المميزين وأموالها ومصالحها في هذه المنطقة، فتتوافر معه ضمانات الاستقرار الدائم والحماية الصلبة للكويت.
ولا أجد لوحة تعبر عن ضياع أصداء هيامنا الصادق البريء إلا مشهداً ينشد فيه ابن الفارض شعره لفتاة أعجمية لا تعرف لغة العرب تتحول معها قصيدته إلى تمتمة ورطنة تفارقها روح الجمال والروعة:
تَمَسّكْ بأذْيالِ الهَوَى واخْلَعِ الحيا
وخَلّ سَبيلَ الناسكينَ وإن جَلّوا
تعرّضَ قومٌ للغرامِ وأعْرَضوا
بجانبهم عن صحّتي فيه فا عتلوا
رَضُوا بالأماني وابتُلوا بحظُوظهم
وخاضوا بحار الحبّ دعوى فما ابتلّوا
فهُمْ في السُّرى لم يَبْرَحوا من مكانهم
وما ظَعَنوا في السّير عنه وقد كَلّوا