لم أصادف أحداً من الجيل الذي درس في نظام المقررات إلا ترحم على تلك الحقبة، لقد كان نظاماً شاملاً في المرحلة الثانوية، يراعي الجانب العلمي والرغبات الشخصية للمتعلم، وهو أكثر رحابة ودقة من النظام العام، إذ كان يشمل ثماني شعب دراسية: الاجتماعيات، والعلوم، والرياضيات، واللغة العربية، والإنكليزية، والدراسات الإسلامية، والتجارية، والصناعية، وكان أغلب الطلبة يشكرون هذا النظام التعليمي الذي هيّأ لهم أرضية قوية ينطلقون منها في مجال تخصصاتهم العلمية بكل أريحية.

يقول لي أحد موجهي التربية الفنية: «تعلمت من المواد الاختيارية في المقررات ما لم أتعلمه في التطبيقي!».

Ad

أعزائي القراء، عندما كانت الكويت رائدة في الإعلام والفن والرياضة، كانت المناهج في بداية الخمسينيات تعزز الأنشطة الفنية والمسرحية والرياضية، ولو أخذنا الأنشطة المسرحية، على سبيل المثال، لوجدنا أن أغلب رموز الفن الكويتي أمثال عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وغانم الصالح بدؤوا مشوارهم الفني من خلال المسارح المدرسية، التي كانت تحظى باهتمام المسؤولين في ذلك الوقت، حتى أن الشيخ أحمد القطان تحدث في إحدى مقابلاته عن التعليم في السابق، وكيف أنه استفاد كثيرا من المسرح المدرسي والنشاط الإذاعي في عمله الدعوي، فلذلك يجب استغلال هذه التخصصات التي تبرز الشخصية، ودمجها في التعليم.

فالفن علم وفكر ورسالة، وهو شخصية البلد وهويتها، وهو الذي يرتقي بذائقة الشعوب وأخلاقياتهم، لأنه مصنع الثقافة الذي ينتج الفكر والنقد والكتابة والأداء والإخراج.

وكما أنه يوجد معهد ديني ومعهد صناعي فأتمنى أن ننشئ معهداً خاصاً للرياضيين، وآخر للفنون الجميلة بأنواعها، حتى نستثمر في كل فنان وموهوب، ونزرع فيهم القيم والشهامة والغيرة الوطنية منذ البداية، تحت إشراف وزارة التربية، وحتى ننمي ثقافتهم الجمالية والأدبية، التي نأمل أن نراها في أعمالهم الفنية، فهم سفراء البلد، وأعمالهم هي المرآة التي تعكس منظرنا للقريب والبعيد، فلذلك لا ينبغي أن يُترك الفن مهملا، ويتحول لسلعة رخيصة بيد السفهاء!

وأتمنى من وزير التربية أن يعيد «نظام المقررات»، مع استحداث شعبة جديدة للعلمي، ليكون: علوم، ورياضيات، وتكنولوجيا وبرمجيات، وإضافة شعب للفنون الجميلة والمسرحية والعلوم الرياضية والصحية، حتى نعيد أمجاد عروس الخليج، فالاستثمار الحقيقي يبدأ بالإنسان قبل البنيان.

يقول وزير التعليم الأميركي الأسبق «Richard Riley» عن المناهج الدراسية: «نحن نقوم حالياً بإعداد الطلاب لوظائف غير موجودة حتى الآن، باستخدام تقنيات لم يتم اختراعها بعد، لحل مشكلات لا نعلم أنها مشكلات حتى الآن»! أي: أنهم صمموا مناهج تعلمهم كيف يسارعون في فهم متطلبات العصر، ونحن ما زلنا نحوم بين العلمي والأدبي!