جهاز السياسات العامة... والتخبط الحكومي
نشرت وزارة الإعلام «مشروع قانون الإعلام الجديد»، الذي انطوى على نصوص وأحكام تنتهك الدستور الكويتي، فمنها ما يصادر حرية الرأي والنقد المقرر بالمادة 36 من الدستور، ومنها ما يقيّد حرية النشر ويكبّلها خلافاً للمادة 37 من الدستور.
بل إن المشروع يسير باتجاه مغاير للدستور الكويتي الذي يتبنّى في فلسفته التشريعية النظام العقابي في تنظيم الحريات، فيقفز عليها ويتبنّى النظام الوقائي المكبّل والمناهض للحريات وللديموقراطية، والذي لا تتبناه إلا الدول الاستبدادية والشمولية!
ومن المستغرب أن يتسلل هذا النمط من التفكير البوليسي والاستبدادي إلى نظامنا القانوني عبر هذا المشروع «المسخ».
وهو ما حملني أن أذكر في تغريدة لي، أمس، أن «مشروع قانون الإعلام الجديد تنقيح مُخزٍ للدستور، ومعول هدم في دولة الدستور والمؤسسات، وأن تفكيراً متخلفاً وراء هذا المشروع، وأنه يمثّل دوران عقارب الساعة عكس دورة الزمن وتطوّره.
بل فيه «تحصين الأشخاص ووأد النقد المباح للشخصيات العامة الذي هو مفخرة الدولة الديموقراطية التي كرّس أركانها القضاء الكويتي».
فهو من الناحية الواقعية يمثّل ردّة دستورية، وهو يحاول أن يحصّن شخصيات لم يمنحها الدستور هذا التحصين، بل جعلها على رأس مَن يُباح نقدهم وتعقّب أعمالهم في مناصبهم العامة، وليجلس أحدهم في بيته، لينظر مَن يهتم لأمره، أما أن يأتي وهو يرغب في أن يكون في منصب عام ويتولاه ويتصرّف في مصير دولة وشعبها ومقدراته وتشريعاتها، ولا يريد أن ينتقد أو يعقّب على أعماله، فهذا ما ليس له وجود في ظل نظامنا الدستوري، وحتى المادتان 110 و111 اللتان منحتا العضو حصانة مؤقتة عن أقواله وآرائه داخل البرلمان وفي لجانه، فإنه لا يُساءَل عنها، لكنّها لم تعطه حصانة ضد النقد والتقويم ومواجهته بها ونقدها وكشف زيفها ودحضها، والمطالبة بعدم تجديد الثقة به، بل ومحاكمته عن كل سوء وفساد يقترفه، وهذا هو جوهر الديموقراطية وحرياتها، فهيهات لمن يحاول أن يتمترس وراء الحصانة أو يتخفّى وراءها، فهذا أمر يناقض الدستور ويعتبر ردّة عن أحكامه.
والمؤسف أن يكون مصدر المشروع وزارة الإعلام بوزيرها الشاب! ولكنه واضح أنه ليس جديراً بهذا المكان، لأنه تخلّى عن الدستور، بل تبنّى مشروعاً يهدم أركانه ويقوّض فلسفته، فليرحل غير مأسوف عليه.
وليعلَم النواب الفاسدون الذين يشجعون هذ المنهج أنهم صاروا مكشوفين للشعب الذي سيقف كرجل واحد لإفشال مخططهم وفضح استغلالهم للعضوية النيابية للتخفّي والتمترس وراءها! ولئن كان هناك مَن تحالف معهم ووعدهم من وزراء الحكومة للسير بهذا المسار المنحرف، فليدرك هو الآخر أن الدائرة ستدور عليه! وسرعان ما ستنجلي الحقائق وكلٌّ يتحمل جريرة عمله!
وهنا أجد لزاماً عليّ أن أخاطب رئيس الوزراء بأن يبادر لمراجعة عمل فريقه الوزاري قبل أن يورّطوه بهذا المشروع وبغيره من المشروعات والإجراءات المخالفة للدستور، والتي تهدف لإرضاء غرورهم أو طموحهم أو شراء ذمم أو مواقف نواب في المجلس، وليعلَم أن نهايته ستكون قريبة إن لم يتدارك الأمر!
وليدرك أنّ مَن أشار عليه من وزرائه بالتراجع عن قضايا وموضوعات مهمة تضمّنها برنامج حكومته السابقة 2022، فإنه يضمر له الشرّ، ولا يريد له النجاح والتأييد والدعم الواسع الذي حظي به يوم قدّم برنامج حكومته السابق للمجلس!
ولعلنا نتذكر إسقاط مشروع جهاز السياسات العامة من برنامج الحكومة السابقة، الذي كان سيصبح ركيزة لاستقرار سياسات الدولة وديمومتها وحُسن أدائها لمسؤولياتها، بعيداً عن المزاجية والأهواء الشخصية والمساومات والصفقات التي يتصرّف بها بعض الوزراء، ويتم من خلالها تغيير سياسات وأعمال ومشروعات ينبغي أن تتّسم بالاستقرار والديمومة وبشفافية وبحسّ وطني عميق حماية لمؤسسية الدولة ومؤسسية مجلس الوزراء وهيمنته الحقيقية على مصالح الدولة، كما تقرر ذلك المادة 123 من الدستور.
وهناك العديد من المشروعات الأخرى التي تعزز بنية الدولة ومؤسساتها وهويتها وسيادتها تم إسقاطها من برنامج عمل الحكومة، رغم تبنّيها في برنامج حكومتك السابقة، فكُن فطناً محيطاً حتى لا يتم إنهاء عهدك كغيرك من رؤساء الوزراء السابقين، ويتم تخطّيك ليكون ذلك تمهيداً لمجيء غيرك ووضعك في سجلّ السابقين!!