في حين عاود مؤشر الأحمال الكهربائية، ارتفاعه أمس، ليسجل 16588 ميغاواط، ملامساً الخط البرتقالي، على وقع درجات حرارة تجاوزت 51 درجة، حذّر بعض المعنيين بالمناخ وتداعياته من أن «درجات الحرارة الصيفية بالكويت لن تنخفض، والبلاد في تحدٍّ مع ارتفاعها خلال الأعوام المقبلة»، داعين إلى «البحث عن حلول لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري؛ لوقف نزيف فاتورة الخسائر المصاحبة لها».
واعتبر مسؤولون في إدارة الأرصاد الجوية، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، وقوة الإطفاء العام في تصريحات متفرقة لـ«الجريدة»، أن ارتفاع درجات الحرارة يهدد مستقبل الكويت صحياً وبيئياً واقتصادياً وأمنياً، مؤكدين ضرورة تشجيع الزراعة لمواجهة الاحتباس الحراري.
وشدد المعنيون على وجوب مراعاة بناء مؤسسات أو مجمعات أو مبانٍ صديقة للبيئة تحتوي على عوازل حرارية، والابتعاد عن الواجهات الزجاجية الكبيرة للمحافظة على برودة المباني، واستخدام أنظمة ترشيد للطاقة والكهرباء، بالإضافة إلى البدء في إيجاد مصادر نظيفة لإنتاج الكهرباء، لتخفيف استخدام الطاقة النفطية، والمساهمة في خفض درجات الحرارة.
وكانت مصادر وزارة الكهرباء كشفت عن إنفاق 2.113 مليار دينار على شراء النفط والزيوت لتشغيل 7 محطات إنتاج خلال السنة المالية السابقة، بزيادة 721 مليوناً عن السنة التي سبقتها.
وفي تفاصيل الخبر:
في البداية، كشف خبير الأرصاد الجوية جمال إبراهيم أن العاصمة الكويتية سجلت، لأول مرة، معدل حرارة بلغ 51 درجة مئوية، وهو معدل لم يتم رصده من قبل، مبيناً أن درجات الحرارة رغم ارتفاعها عالمياً، فإنها في الكويت، بحُكم موقعها الجغرافي، شديدة الحرارة جداً بالصيف، و«ننصح بأن يتم شرب الماء أولاً فأولا، لتفادي (ضربات الشمس)، كما يطلق عليها في اللغة العربية، لكن التعريف الصحيح لها هي (ضربة حر)».
وبيَّن أنه «في الكويت، من الطبيعي أن تُصاب في الظل بـ (ضربة حر)، فإذا نسيت شرب الماء مع ارتفاع درجات الحرارة مع رطوبة منخفضة، فإنك ستشعر بفقدان الوعي».
وقال إبراهيم لـ «الجريدة» إن الناس بالكويت في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات كانوا يرتدون الملابس الشتوية في أكتوبر، ويعتبر نوفمبر من الأشهر الباردة، لكن «في السنوات الماضية، قُمنا بارتداء الملابس الشتوية في ثاني أسبوع من ديسمبر، وأصبح سبتمبر شديد الحرارة، كما أن أكتوبر ونوفمبر من الأشهر الدافئة والحارة».
وأشار إلى أن «يناير أصبح أبرد أيام شتائنا، ولا تتجاوز أيام البرد القارص الأسبوعين، في حين يبدأ الربيع في فبراير، رغم أن الطبيعي أن يكون فبراير استكمالاً لفصل الشتاء».
وأوضح إبراهيم أن هناك ظاهرتين تحدثان في العالم أجمع الآن، الأولى التسخين العالمي، والثانية ظاهرة النينيو، مردفاً أن التسخين العالمي يتمثل في أن الإنسان يؤذي الغلاف الجوي، حيث إن هذا الغلاف رقيق جداً، وتطير فيه الطائرات واختراعات الإنسان، كالسيارات والطائرات، والكهرباء، والمصانع وغيرها، التي تؤدي إلى إنتاج غازات حرارية تؤثر عليه سلباً، فتلك الغازات لا تخرج مرة أخرى، وهذا ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري.
ظاهرة النينيو
وحول ظاهرة النينيو، قال إبراهيم إنها ظاهرة اكتشفها علماء الأرصاد قبل 35 عاماً، وهي ارتفاع درجة حرارة المحيط الأطلنطي في غرب أميركا الجنوبية إلى أستراليا، وتتسبب في قتل الأسماك، مما يؤثر على اقتصاد هذه الدول، مشيراً إلى أن «ارتفاع درجة حرارة هذه المنطقة البعيدة عنا يؤثر على مناخ العالم أجمع، فتكثر الأمطار بالدول التي تشح بها الأمطار، وترتفع درجات الحرارة في الدول المعتدلة والباردة، ومازال العلماء يدرسون هذه الظاهرة، التي تحدث كل سبع أو تسع سنوات مرة واحدة».
وأضاف أن ثلوج القطب الشمالي والجنوبي وجبال الألب والهملايا في مرحلة ذوبان، وذوبان تلك الثلوج سيؤدي إلى ارتفاع منسوب البحر، وهذا الارتفاع سيؤدي بالتالي إلى غرق بعض الجُزر والدول الساحلية.
واستطرد: «كما أن بعض الدول الصناعية، والتي تقوم بقطع الأشجار، مثال على ذلك بكين عاصمة الصين، قاموا بقطع معظم الأشجار، كونها دولة مصنِّعة ومصدِّرة للأثاث الخشبي، وأثر هذا الفعل بدوره عليهم، فأصبحت تأتيهم عواصف ترابية صيفاً وثلجية شتاءً».
ولفت إلى أن 80 بالمئة من حرائق الغابات يعود السبب فيها للإنسان، وهذا يؤثر بالتأكيد على الأكسجين، فتلك الغابات رئة العالم، والبيئة الجوية متصلة ببعضها، ولإحداث فرق يجب أن تتكاتف الدول للحفاظ على البيئة.
وذكر أن الكويت أمام مسؤولية تشجيع وتكثيف الزراعة فيها لمواجهة الاحتباس الحراري، كما كان الحال قديماً، فكان لكل قطعة حديقة خاصة بها، لتقوم بعملها كرئة ومتنفس للمكان. أما الآن، فتم غلق بعض الحدائق، وتحويلها إلى مواقف للسيارات أو إلى مشاريع أخرى.
ارتفاع نسبة الحرائق
بدوره، أكد رئيس مركز الشويخ الصناعية للإطفاء، العقيد مشاري الصحاف، أن ارتفاع درجات الحرارة له تأثير على ارتفاع نسبة الحرائق، من خلال قياس ارتفاع أرقام الحوادث التي تصل إليهم، والتي تزداد عاماً بعد عام، مبيناً أن هناك حوادث سببها الأساسي ارتفاع درجات الحرارة.
وأشار الصحاف لـ «الجريدة» إلى حادث الشاحنة التي كانت تنقل مادة «سبليت وايت»، وهي من الأمثلة الحية على حوادث درجات الحرارة، لوجود مادة عالية وسريعة الاشتعال، كان يتم نقلها في شاحنات عادية، ولو تم نقلها في الشتاء لما وقع هذا الحادث.
ولفت إلى أن حريق الشاحنة استغرق إطفاؤه وما نتج عنه من اشتعالات في المخازن المجاورة على طريق الغزالي أكثر من ست ساعات، تبدلت خلالها 8 مراكز، واستخدم خلال عملية الإطفاء مادة الفوم بكميات كبيرة، من خلال رشه على الشارع كاملاً، لعزل المادة عن الهواء، وتخفيف درجة حرارة السائل وتفاعله.
وأضاف أنه «عندما تنتهي عملية الإطفاء كاملة نقوم بتفتيش الشاحنة، للتأكد من عدم وجود شبهة اشتعال أي مواد مرة أخرى، لاسيما أثناء التبريد على الشاحنة وإطفائها»، موضحاً أن «هناك كاميرات حرارية لقياس درجة الحرارة نقوم بوضعها على السيارة، فتكون درجة الحرارة فوق الثلاثين، في حين أنه عند وضع الكاميرا الحرارية على الأرض تصبح الحرارة 65 درجة، فرجل الإطفاء يقف على أرض درجة حرارتها 65، ويرتدي ملابس ثقيلة تعزله عن الهواء الخارجي، فترتفع درجة حرارة جسمه».
وسرد الصحاف حادثة التعامل مع حريق اشتعل بالأعلاف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إذ اشتعلت أربع شاحنات أعلاف صادرتها «الموانئ» كانت موجودة بجمارك الصليبية، لتُباع بالمزاد العلني، وهذه الأعلاف كانت في شاحنات (كاونتينرات) كبيرة مغلقة لا يدخل لها هواء، ونتيجة لارتفاع درجة الحرارة تفاعلت الأعلاف واشتعلت.
وأكد أن الصيف بالكويت تزداد فيه حوادث اشتعال السيارات، بسبب الولاعات المنسية بها، أو العطور أو الشواحن وعبوات الماء، التي قد تعكس أشعة الشمس، فتساعد على اشتعال السيارة، لافتاً إلى أن حرائق السراديب تزداد صيفاً، بسبب زيادة وحدات التكييف والتوصيلات السيئة.
حرائق المحولات والنفايات والأشجار
وعن المزيد من الحالات، بيَّن الصحاف أنه من الحوادث التي يتعاملون معها بكثرة أيضاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حرائق المحولات والنفايات والأشجار، متابعاً: «لدينا مركز من المراكز يتعامل مع حريق أشجار بنفس المكان أكثر من 3 مرات»، مضيفاً أن رجل الإطفاء عندما يعمل لمدة 4 ساعات في موقع الحريق يعود إلى المركز لتغيير ملابسه، ويجهز مُعداته، ويستعد لأي استدعاء لحادث آخر، فوقت عمله لم ينته بانتهاء عملية إطفاء الحريق الذي توجّه له، وهذا يُعد ضغطاً في العمل على رجل الإطفاء، خصوصاً خلال فترة الصيف.
وتابع: «نلجأ في هذه الفترة ما بين يونيو حتى سبتمبر إلى خفض نسب الإجازات، وبعض المراكز يتم حجزها بالكامل، كمركز الإسناد، تم حجزه مدة شهر، حتى نستطيع التعامل مع البلاغات التي تأتينا بشكل متتالٍ بعدد كبير»، مبيناً أن «الصيف بالنسبة لنا، كإطفائيين، هو موسم حوادث، وفي الشتاء نتعامل مع حرائق المخيمات ومع الأمطار، حيث نرفع جاهزية المراكز، ونتأهب لشفط مياه الأمطار من الشوارع».
موجة حر فوق الاعتيادية
من جهته، قال الباحث العلمي بمركز أبحاث الطاقة في معهد الكويت للأبحاث العلمية د. يحيى الهدبان، إن «الكويت تشهد هذا العام موجة حر فوق الاعتيادية، ومن المتعارف عليه أن صيف الكويت شديد الحرارة، وقد تتعدى الحرارة الخمسين درجة»، لافتاً إلى أن «الحرارة بالكويت لن تنخفض، ونحن في تحدٍّ مع ارتفاعها، وعلى الدولة إيجاد حلول».
وتابع: «كانت الحرارة ترتفع هكذا خلال أيام معدودة، أما هذا العام، فنجد أن درجات الحرارة فوق الخمسين استمرت لأكثر من أسبوعين، مقارنة بالسنوات الماضية».
وعبَّر الهدبان، في حديث
لـ «الجريدة»، عن تخوفه تجاه ارتفاع درجات الحرارة، الذي وصفه بالتحدي، متابعاً: «في الكويت نلجأ إلى استخدام أجهزة التكييف وتبريد الهواء في جميع المباني، حتى نستطيع التعايش مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، ولا نستطيع العيش من دونها»، مستطرداً: «مع ارتفاع درجات الحرارة، فإن استخدام هذه الأجهزة في زيادة، ما يؤدي إلى زيادة في طلب الكهرباء، وزيادة في الاستهلاك».
وأوضح أن الوقود المُستخدم في المحطات هو النفط، وكلما استخدمت النفط وقمت بحرقه في المحطات سيؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة، وهذا ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري.
الغازات الدفيئة
وأوضح الهدبان أنه مع ارتفاع نسب الغازات الدفيئة فوق الطبيعي بدأت هذه الغازات في حجز أشعة الشمس المنعكسة، ما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة أكثر من المعدل الطبيعي، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع في درجات الحرارة ليس محلياً فقط، بل عالمياً، وبدأ في الظهور منذ بداية الثورة الصناعية واستخدام الوقود الأحفوري (النفط) في دول العالم المتقدمة، إضافة إلى ممارسات الإنسان في جميع أنحاء الكرة الأرضية من استخدام للكهرباء وإنتاج الطاقة والتخلص من الغابات والمساحات الخضراء إلى بناء المدن ذات الطابع الكونكريتي أو الاسمنتي. جميع تلك الأمور خلقت نوعاً من عدم التوازن في الغلاف الجوي.
وأضاف أن عدم وجود الأشجار والمساحات الخضراء والغابات التي كانت تعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتعود لتبثه في صورة أكسجين أثر سلبياً على الكرة الأرضية، وأدى إلى احتباس تلك الغازات الدفيئة، وارتفعت نسبها في الغلاف الجوي، وبالتالي ارتفعت درجات الحرارة عالمياً، والمتوقع أن تصل نسبة ارتفاع درجات الحرارة منذ عام 1990 إلى عام 2100 ما بين واحد وأربعة من عشرة إلى خمسة وستة من عشرة.
حلول للمعالجة
وذكر الهدبان أن هناك عدة حلول لهذه الظاهرة، الأول هو التوجه إلى رفع كفاءة الطاقة، والاستخدام الأمثل للكهرباء، وتمرين الجسم على جهاز التكييف في درجة حرارة 22 أو 23، وبهذا «نكون قللنا من استخدام الكهرباء، وحافظنا على أجسامنا».
وشدد على أنه «يجب على الدولة مراعاة بناء مؤسسات أو مجمعات أو مبانٍ صديقة للبيئة يوجد بها عازل حراري، ونبتعد عن الواجهات الزجاجية الكبيرة، حتى نحافظ على برودة المبنى، إضافة إلى استخدام أنظمة مثالية للإضاءة داخل المباني، إذ علينا استخدام أنظمة تستهلك طاقة وكهرباء أقل، وتوفر معدل الإضاءة التي يحتاج لها المكان».
وأشار إلى أن الحل الثاني، هو البدء بإيجاد مصادر نظيفة لإنتاج الكهرباء، على سبيل المثال معهد الكويت للأبحاث الوطنية قام بعمل أكبر المشاريع على مستوى الدولة، وهو إنشاء محطة الشقايا للطاقات المتجددة، لاستخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والتي «نشاهد ألواحها فوق الأسطح، إضافة إلى توظيف طاقة الرياح لإنتاج الكهرباء، لنساعد في تخفيف استخدام الطاقة النفطية، ما سيؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة».
موت مليون شجرة خلال 6 أشهر
في حادثة تُعد جرس إنذار بيئي خطير في الكويت، ذكر المزارع والناشط البيئي ناصر بداح الهاجري، أن عدد الأشجار التي ماتت بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالية بلغ مليون شجرة خلال 6 أشهر، وهو رقم مخيف وجديد.
واعتبر الهاجري، في تصريح لـ «الجريدة»، أن هذا يُعد أمراً خطيراً، وبحاجة إلى تحرك المسؤولين، مشدداً على أن هذا الأمر يجب أن يتصدى له نواب مجلس الأمة ومجلس الوزراء، للوقوف على خطورته.
وأضاف أن درجات الحرارة العالية في الكويت يجب التصدي لها من خلال حلول بيئية، لكن الصعب في الموضوع ليس الحرارة فقط، بل الإهمال، الذي قتل مليون شجرة خلال 6 أشهر دون سقي هذه الأشجار بالماء، مبيناً أن الإهمال قد يطول الملايين الأخرى من الأشجار في حال عدم وجود تحرّك حقيقي لهذا الموضوع.
عدم ارتداء الحجاب الأسود... والمظلة ليست للأمطار فقط
أكد خبير الأرصاد الجوية جمال إبراهيم، أن طريقة قياس درجات الحرارة الصحيحة في جميع أنحاء العالم من خلال قياس درجة حرارة الهواء في الظل، باستخدام صندوق يوضع على ارتفاع متر ونصف المتر يدخله الهواء من أربع جهات مغلقة بخشب من فوق وتحت مع منع أشعة الشمس المباشرة من الوصول لها.
وقال إبراهيم إن إحساس كل شخص بدرجات الحرارة يختلف وفق اللباس الذي يرتديه، والمكان الموجود فيه، إذ إن درجة الحرارة على الرمال تختلف عنها على العشب، وتختلف عنها على الأسفلت، مضيفاً: «أنصح الجميع بالابتعاد عن لبس الألوان الداكنة كالأسود، وللسيدات أقول ابتعدن عن ارتداء الحجاب الأسود في الصيف»، داعياً الجميع إلى استخدام المظلة، فهي ليست للأمطار فقط، بل تساعد على الحماية من أشعة الشمس وتخفف الحرارة.