قال التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات، إن المساهمة الرئيسية في صناديق التقاعد في الكويت تأتي من المالية العامة، سواء بشكل مباشر، أي حصتها في أقساط التأمين، والتي تفوق كثيراً حصة المؤمّن عليه، أو بشكل غير مباشر، لأن 84 بالمئة من المواطنين في سوق العمل موظفو حكومة، إضافة إلى كل العسكريين، لذلك، فإن سلامة الخزينة العامة هي الضمان لاستمرار توازن تلك الصناديق وسلامتها.

وأضاف «الشال»: يُعتقد أن العجز الاكتواري لتلك الصناديق كان بحدود 24 مليار دينار للعام الفائت، وتتعرّض تلك الصناديق لضغوط شعبوية كبيرة لمزيد من الهبات والتنازلات، ومسؤولية تلك الصناديق ليست فقط مجموع المتقاعدين حالياً، وإنما ضمان توافر معاشات تقاعد في المستقبل لـ 3 أضعاف عددهم في الوقت الحاضر، وهم المواطنون في سوق العمل.

Ad

تلك الهجمة على صناديق «التأمينات» ستقفز بالعجز الاكتواري بمرور الزمن إلى أضعاف عجزه الحالي، وما يحدث من هجوم على المالية العامة، سيؤدي حتماً إلى خروق كبيرة في شبكة الأمان الضامنة لتلك الصناديق حين السقوط، وقد تضطر الخزينة العامة إلى التخلي مُجبرة عن مواجهة عجوزات «التأمينات» إن استمر العبث بتوازنها.

وأشار وزير المالية بالنيابة، الأسبوع الفائت، إلى ما يُفترض أنه مخرج لخفض العجز في صناديق «التأمينات»، بمنح المؤسسة أراضي دولة بنحو 2.5 مليار دينار، أو نحو 10.4 بالمئة من قيمة العجز الحالي، لكن غياب التفاصيل حول غرضها وكيفية استثمارها قد يتسببان في اثنين من المخاطر الكبيرة. أول تلك المخاطر هو احتمال الإخلال بالسياسة الاستثمارية لتلك الصناديق، فصناديق التقاعد يحكمها توازن دقيق بين العائد والمخاطر، فهي مجبرة على تحقيق تدفقات مالية سنوية داخلة من استثماراتها ومن أقساط التأمين، مساوية على أقل تقدير للتدفقات الخارجة سداداً لرواتب المتقاعدين والمصروفات الأخرى. والسداد بالأراضي إن كان تعويضاً، يحرمها من تدفقات نقدية سائلة داخلة، هذا من جانب، ويخل بتوازن استثماراتها لمصلحة غير السائلة وطويلة الأجل من جانب ثانٍ، ويتطلب رصد مبالغ طائلة لتطوير تلك الأراضي على حساب سيولة المحفظة، من جانب ثالث، وهو خلل يصعب جبره ويزيد من عجزها الاكتواري.

الخطر الثاني هو أن غلاء أسعار الأراضي في الكويت غلاء اصطناعي، ويعتمد على قدرة المالية العامة على الإنفاق المتنامي، رغم ارتكاب راسمي سياساتها المالية خطايا مدمرة تهدد استدامتها، ومرتبط من جانب آخر بعوامل خارجية لا قدرة للكويت على التأثير عليها، مثل إنتاج النفط وأسعاره، كما يخلّ بعدالة المنافسة مع من يقيم مشروعاته على أراضٍ مشتراة.

لذلك، نعتقد أن الحكم على سلامة المقترح من عدمها لا يزال مبكراً، فقد يكون مخرجاً مقبولاً، لكن، لا بدّ أن يدرس من مختصين في الحكومة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من كل جوانبه، فالقادمون إلى التقاعد على مدى بضع عشرات السنين، بمئات الآلاف، ولا يجوز تعريض سلامهم الاجتماعي للخطر إن اعتمد القرار بتسرّع وأرهق موارد مؤسسة التأمينات المالية وأخلّ بتوازن صناديقها.

سيناريوهات المستقبل ليست مطمئنة

ذكر تقرير «الشال» أن الحكومة شكلت لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع وشؤون التنمية وعضوية وزراء اختصاص وموظفين عامين غرضها تعزيز الإيرادات غير النفطية، ولا بأس في أي اجتهاد بهذا الاتجاه، ولكنه جهد جزئي بينما يفترض أن اختصاص هكذا لجنة هو منهج كلي هادف لتحقيق أهم الأهداف الواردة في برنامج الحكومة، وهو استدامة المالية العامة.

في التفاصيل، يفترض أن تكون جزئية تعزيز الإيرادات غير النفطية عمل منوط باقتصاديين وماليين يعملون تحت مظلة تلك اللجنة التي يفترض أن تشرف على مجموعة من الفرق المختصة بتفاصيل جانبي الإنفاق والإيرادات وإحداث تغيير جوهري في سياسة الدولة المالية.

وأهم مستهدفات اللجنة يفترض أن يكون تكليف فرق لعمل سيناريوهات للأداء المحتمل لسوق النفط على مدى سنوات رؤية 2024 – 2040، وتبني سيناريو واقعي، ويستحسن أن يكون متحفظاً، فالنفط الذي يمول %90 من نفقات الموازنة العامة، إيراداته هي ما يحدد كم حاجة البلد إلى إيرادات غير نفطية، وسيناريوهات المستقبل له ليست مطمئنة.

وثاني مستهدفات اللجنة هو عمل سيناريوهات للنمو المحتمل للنفقات العامة، واستدامة المالية العامة محكومة بنسبة عالية جداً بالقدرة على المواءمة ما بين نتائج سيناريوهات سوق النفط، وسيناريوهات نمو النفقات العامة.

أما ثالث المستهدفات فهو الاستعانة بفريق محترف لتغيير جوهري في وظيفة الصندوق السيادي وتحويله تدريجياً إلى رديف دخل مستدام أسوة بالصندوق النرويجي الذي بلغ حجمه ضعف الصندوق السيادي الكويتي رغم أنه بعمر أقل من نصف عمر الكويتي.

ووفقاً لخلاصة سيناريو سوق النفط وسيناريو النفقات العامة المعتمدين، ومقترحات التعامل مع الصندوق السيادي، يتحدد مصير كل السياسات المالية والاقتصادية الأخرى، أهمها عجز أو توازن سوق العمالة المواطنة، وضمنها السياسة السكانية والإسكانية، وضمنها القدرة على تطوير التعليم والبنى التحتية وكل الخدمات العامة.

لذلك، يبقى هدف تعزيز الإيرادات غير النفطية جهداً مطلوباً، وربما له حاجة لخفض الاختناقات المالية على المدى القصير، ولكنه ضياع جهد وربما يصرف اهتمام الحكومة عن الهدف الأكبر ما لم يكن عملاً محصوراً بفريق مهني ضمن عدد كبير من الفرق المماثلة، ويبقى تركيز عمل اللجنة الوزارية هو معرفة نتائج أعمال تلك الفرق والمواءمة ما بين متطلباتها.

تركّز السيولة في السوق الأول ظاهرة تستحق الدراسة

اختار تقرير «الشال» 5 مؤشرات لقياس نسب التركز في بورصة الكويت لمصلحة كبريات الشركات المدرجة، ومؤشرات القياس هي، القيمة السوقية، السيولة، قيمة الأصول، المساهمة في الربحية وتملك الأجانب فيها كما في نهاية النصف الأول من العام الحالي. في التفاصيل، سوف تكون البداية للمساهمة في القيمة السوقية لأكبر 10 شركات مدرجة، و5 من الأعلى قيمة سوقية تشارك أيضاً ضمن قائمة العشر شركات في كل المؤشرات الأربعة الأخرى.

فالشركات العشر الأعلى قيمة سوقية وتمثل نحو %6.7 من عدد الشركات المدرجة البالغ 150 شركة، تساهم بنحو %69.6 من قيمة كل تلك الشركات المدرجة، أو أكثر من 10 أضعاف مساهمتها في عددها.

ضمنها شركتان فقط تساهمان بنحو %43.8 من القيمة السوقية لكل شركات البورصة، هما بيت التمويل الكويتي ويساهم بنحو %26.2 من إجمالي القيمة السوقية لشركات البورصة، و%17.6 لبنك الكويت الوطني.

وساهمت 10 شركات بما نسبته %67.5 في إجمالي سيولة البورصة للنصف الأول من العام الحالي، وضمنها ساهمت ثلاث شركات بنحو %45.0 من إجمالي تلك السيولة، حيث ساهم بيت التمويل الكويتي بنحو %27.9، وبنك الكويت الوطني بنحو %9.2، وشركة أجيلتي بنحو %7.9.

وساهمت 10 شركات بنحو %76.5 من إجمالي قيمة أصول 150 شركة مدرجة، ضمنها ساهمت شركتان بنحو %43.8 من الإجمالي، حيث ساهم بيت التمويل الكويتي بنحو %22.2 وبنك الكويت الوطني بنحو %21.6 من الإجمالي.

وساهمت 10 شركات بنحو %72.3 من أرباح كل الشركات المدرجة في البورصة، وضمنها ساهمت شركتان بنحو %43.2 من إجمالي تلك الأرباح، حيث ساهم بيت التمويل الكويتي بنحو %23.7 وبنك الكويت الوطني بنحو %19.5 من الإجمالي.

وبلغت قيمة استثمارات الأجانب في السوق الأول لبورصة الكويت كما في نهاية يونيو الفائت نحو 5.245 مليارات دينار، وبلغ نصيب 10 شركات ضمنها نحو 4.912 مليارات أو نحو %93.6 من إجمالي قيمة تلك الاستثمارات. وضمنها تركزت قيمة الاستثمار الأجنبي بنسبة %63.6 في شركتين فقط، ما نسبته %34.4 في بنك الكويت الوطني، ونحو %29.2 في بيت التمويل الكويتي.

ولسنا بصدد تحليل ما إذا كانت الغلبة لمنافع أو مخاطر ذلك التركز، ولكن، مع تركز السيولة في السوق الأول، ومع كل ما تقدم في هذه الفقرة من التقرير، نعتقد أن من مسؤولية الجهات الرقابية دراسة الظاهرة، فربما تكون خاصية في كثير من الأسواق المالية، وربما تكون فريدة، وإن كانت فريدة، فربما تحتاج إلى تعامل مختلف. وقد نقوم لاحقاً بعقد بعض مقارنات التركز في أسواق إقليم الخليج بعد استبعاد شركات نسبة ملكية الحكومات فيها مرتفعة جداً.