هل ننسى دورهم؟! (12)
• دور أهل الكويت في مجال التعليم (1)
إلى أمثال هؤلاء في مسيرة الكويت، ممن عطّروا جدائلها بأخلاقهم، ورصّعوا عباءتها بمواقفهم، ورسّخوا حرياتها برؤاهم، أكتب هذه الحلقات.
لا يخلو مجال من المجالات الأساسية في حياة الناس قديماً في الكويت إلا وتجد فيه دوراً مهماً لأهل الفضل والإحسان ومساهمات قيمة بدأت مع نشأة الكويت، واستمرت إلى اليوم.
وإنني إذ أركز في حديثي عن أهل الفضل قديماً، لا أنتقص من أهل الفضل اليوم، ولكن بالمقارنة ما بين الأمس واليوم، نجد لزاماً علينا أن نبرز مآثر الزمن الماضي الذي كانت الحياة فيه صعبة، وقاسية، ومريرة، ولم تكن الموارد المالية متوافرة مثلما هي عليه الآن.
تحدثنا فيما مضى من مقالات عن مآثر أهل الفضل وإسهاماتهم قديماً في أكثر من مجال، واليوم نفصل في موضوع مساهماتهم في مجال التعليم وإنشاء المدارس. قديماً كانت الكويت تخلو من أي مدرسة بالمفهوم الذي نعرفه اليوم، فمدارس اليوم تحتل مساحات واسعة، ولها هيئة تعليمية كبيرة ومنظمة، وتدرس بها مناهج معتمدة ومتطورة. أما قديماً، فقد كانت المدارس «كتاتيب» متواضعة تحتل مساحات صغيرة جداً، يشرف عليها «مطوع» أو اثنان، ومناهجها القرآن والحساب.
والكتاتيب هي مشاريع شخصية ومبادرات فردية أسسها رجال ونساء من أهل العلم يبتغون تعليم أبنائهم وبناتهم المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة وأمور الدين الرئيسية ليتمكنوا من معرفة أمور دينهم وممارسة نشاطاتهم الحياتية. وقد أحسن الدكتور عبدالمحسن الجارالله الخرافي عندما وثق في كتاب ضخم تحت عنوان «مربون من بلدي» مسيرة وتاريخ معظم الكتاتيب في الكويت وفصّل في ذكر مناقبهم وفضلهم في هذا المجال الذي شملت فائدته كل أبناء وبنات الكويت عبر التاريخ.
يقول د. الخرافي في تعليق له في كتابه المشار إليه: «ولقد لعب الكُتّاب خلال هذه الحقبة دوراً رئيساً في هذا المجال، إذ كان أداة تعليم النشء مبادئ القراءة والكتابة والحساب وقراءة القرآن الكريم، وكان يقوم بدور المعلم أو المطوع في هذه الكتاتيب بعض أفراد الأسر الكويتية التي توارثت التعليم أباً عن جد».
ويؤكد د. الخرافي في موضع آخر أن «عمل المربين الأوائل في الكويت لم يقتصر على تعليم القراءة والكتابة، وإنما درسوا لتلاميذهم القرآن الكريم: تلاوة، وحفظاً، وتفسيراً في بعض الأحيان».
وفي فقرة أخرى يقول: «ومنهم من كان يقوم بهذا العمل لوجه الله تعالى، لا يأخذ على عمله ثمناً، من مثل: المربي الفاضل الشيخ عبدالله الخلف الدحيان، والمربي الفاضل الشيخ مساعد بن عبدالله العازمي».
ولا يسعني المجال هنا أن أتحدث عن تفاصيل هذا الأمر وعن مئات المربين والمعلمين الذين ذكروا في كتاب «مربون من بلدي»، بسبب المساحة المخصصة في الصحيفة، ولذلك سأكتفي بالإشارة إلى مدرسة واحدة أسسها المرحوم الملا مرشد بن محمد السليمان وكان لها الأثر الأكبر على آلاف الكويتيين في تلك الفترة.
هذه المدرسة التي أنشأها الملا مرشد في عام 1926، استمرت ثلاثة عقود من الزمان واستفادت الكويت من خريجيها استفادة عظيمة، لأنها صنعت في عقول خريجيها قاعدة صلبة من المبادئ الأساسية للثقافة والعلم مكنتهم من العمل بعيون منفتحة وأذهان نيرة في جميع المجالات... في المقال المقبل نكمل حديثنا عن مدرسة الملا مرشد إن شاء الله تعالى.