لا يزال الأفغان وأصدقاؤهم تحت وقع صدمة انتصار «طالبان» في أغسطس 2021، حيث تبددت عشرون عاماً من الأحلام بين عشية وضحاها، وتبع ذلك سيل من العواطف التي تراوحت بين الإنكار والغضب والارتباك، وبالنسبة إلى البعض، شكل الأمر بداية بحث عن طرق للمضي قدماً.

لأكثر من 40 عاماً، عملتُ بشكل متقطع في أفغانستان، بما في ذلك سفيراً للمملكة المتحدة في البلاد بين عامي 2017 و2019، وأعرف الضرر الذي ألحقه الغرباء، ومنهم جيران أفغانستان والاتحاد السوفياتي وحلف الناتو والغرب، جميعهم ارتكبوا أخطاء جسيمة.

Ad

ولئن عانت البلاد من التدخل الأجنبي في الماضي، إلا أنه ما مِن شك في أن الشعب الأفغاني يحتاج إلى مساعدتنا الآن، فثمة ثلاثة أشياء يتعين علينا فعلها لمساعدة الأفغان على الاستعداد للمستقبل:

ينبغي للمملكة المتحدة إعادة الدبلوماسيين إلى البلاد، هذا ليس اعترافاً بـ«طالبان» ولا تأييداً لهان على العكس من ذلك، ستكون هذه محاولة لتعزيز مصالحنا ودعم الشعب الأفغاني دعماً أكثر فعالية.

لدى الاتحاد الأوروبي بالفعل مكتب دبلوماسي وإنمائي صغير ومنخفض المستوى في كابول، لقد فعلنا ذلك نحن وآخرون من قبل في البلدان التي كانت لدينا فيها خلافات شديدة مع السلطات الحاكمة، يختلف كل موقف عن الآخر، لكن المملكة المتحدة تعترف بالدول لا الحكومات.

كانت لدينا سفارة في الخرطوم عندما كان رئيسها متهما بجرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وعلى مدى عقود، كان لدى الولايات المتحدة أكبر بعثة دبلوماسية في كوبا باسم «قسم رعاية المصالح» في السفارة السويسرية في هافانا، في حين لم تكن هناك علاقات دبلوماسية تجمع البلدين، وفي الوقت نفسه كانت الولايات المتحدة تفرض عقوبات قانونية صارمة على الحكومة الشيوعية الكوبية.

هناك طرق مختلفة لتكون المملكة المتحدة حاضرةً قلباً وقالباً على الأرض من دون أن تصل إلى حد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، فلا شيء سهلاً أو خالياً من الأخطار، ولكن هناك خطر كبير، فكروا مثلاً في أحداث 11 سبتمبر والإرهاب والمخدرات والهجرة والمنطقة المليئة بالأزمات القابلة للانفجار، إذا ما تركنا أفغانستان وحدها أو اكتفينا بإنفاق الأموال بشكل أعمى من بعيد.

في الوقت الحالي يوجد القليل من الدلائل على أن لندن وواشنطن على استعداد لإعادة تأسيس وجود دبلوماسي لهما على الأرض، ومن المفهوم أنهما تتوخيا الحذر من «الاعتراف المخيف» أو الإشارة إلى الموافقة على سلوك «طالبان»، كذلك يُشار إلى المخاوف الأمنية.

لكن سياسيينا بحاجة إلى أن يكونوا بعيدي النظر وأن يشرحوا بإسهاب أهمية وجودنا الدبلوماسي إذا أردنا مساعدة الأفغان على إنشاء شبكة أمان عندما يحدث التغيير، ففي أقل من نصف قرن شهدت أفغانستان تغيرات سياسية مضطربة في سبع مناسبات على الأقل، ويُخبرنا التاريخ بأن هذه التغيرات ستحدث مرة أخرى.

إضافة إلى مساعدة الشعب الأفغاني في الاستمرار من خلال مساعداتنا الإنسانية، يتعين علينا تمويل النشاط الذي سيساعد الدولة الأفغانية على الاستمرار بعد التغيير المؤلم، وسيتعين القيام بذلك بعناية ومتابعته عن كثب لتجنب تقديم المساعدة لنظام «طالبان»، ليس الأمر بالسهل، كما أن من غير المرجح أن يكون مثالياً، ولكن يكاد يكون من المستحيل القيام بذلك بشكل فعال من مسافة بعيدة.

كوننا أصدقاء لأفغانستان، يجب أن نساعد الأفغان ونحضرهم لتجنب انهيار الدولة وحدوث الفوضى، يجب أن يعزز دعمنا على أرض الواقع المجتمع المدني الأفغاني والمنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان والنقابات العمالية والأكاديميين والهيئات المهنية.

تفرض «طالبان» قيوداً على الشعب، لكن الأفغان يتمتعون بالقدرة على الصمود، ربما أُجبر المجتمع المدني على العمل السري في بعض الحالات، على سبيل المثال مدارس الفتيات، لكن جذوته لم تنطفئ.

ثانياً، إلى جانب وجودنا في كابول، يجب علينا أيضاً تعزيز الجهود الدولية لمحاسبة «طالبان» وإنفاذ العقوبات الحالية، فهذا ليس انتقاماً، ولا ينبغي أن يحصل على أمل بائس لتغيير نهج «طالبان» تجاه حقوق الإنسان والإرهاب الدولي، فهُم لن يتغيروا.

ينبغي أن نفعل ذلك لأنه الشيء الصحيح الذي يتعين القيام به، وبالمثل- مثلما جادل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون أيضاً الأسبوع الماضي- يتعين على المحكمة الجنائية الدولية جمع الأدلة وتحديد ما إذا كانت سياسات «طالبان» بشأن النساء والفتيات تنتهك القانون الدولي، فأنا لست محامياً، لكن أحاسيسي تقول لي إن هذه بالفعل جرائم ضد الإنسانية.

ثالثاً، يجب أن نساعد جميع القادة السياسيين والحركات السياسية الأفغانية على الاستعداد بشكل أفضل للتغيير، لإهم لم يكونوا جاهزين في التسعينيات، وتلت ذلك حرب أهلية، أما في عشرينيات القرن الحادي والعشرين فهم يحتاجون إلى العمل بجد لبلوغ الوضوح الكافي والاتفاق على كيفية حكم أفغانستان في المستقبل من قِبل جميع الأفغان ولجميعهم.

على هذا النحو يجري العمل في المؤتمرات والغرف الخلفية في جميع أنحاء العالم، وقد يجد الأفغان أنه من السهل الاتفاق بشكل عمومي في دعم حقوق الإنسان والديموقراطية والانتخابات، ولكن من الصعب الاتفاق على القضايا الدستورية، بما في ذلك نظام الحكم، وفي نهاية المطاف، يجب أن يشمل هذا الحوار السياسي «طالبان».

لن يكون انتهاج هذه الاستراتيجيات سهلاً، إذ إن رفع مستوى وجودنا في كابول، ودعم المجتمع المدني، وتعزيز الاتصالات مع المعارضة في الخارج، والدعوة إلى أن تأخذ العدالة الدولية مجراها، ستضعنا في خلاف مع «طالبان»، وسيكون من الضروري انتهاج دبلوماسية ماهرة وصبورة وتتمتع بالقدرة على التحمل.

يجب أن نستخدم كل إمكاناتنا لتحقيق أهدافنا، ويمكننا من ناحية العمل جنباً إلى جنب مع سلطات اليوم في كابول ومن ناحية أخرى الاستعداد لمستقبل ما بعد «طالبان» تتحرر فيه أفغانستان أخيراً من دورة التغيير المؤلمة.

* نيكولاس كاي السفير البريطاني السابق في أفغانستان والسودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية، والممثل الخاص للأمم المتحدة في الصومال.