اختلاف إحصاءات الجهات الرسمية يربك القرارات الاقتصادية
• أرقام عديدة لإدارة الإحصاء تخالف نظيرتها في «المعلومات المدنية»
• البيانات والمعلومات الصحيحة تفقد قيمتها إذا كانت متأخرة... فكيف بالمتناقضة؟
طرأ على الاقتصاد الكويتي تغير هائل خلال الـ 50 سنة الماضية، تغيرات شكلت هيكل الاقتصاد اليوم، زيادة عدد السكان وتغير طبيعة الوظائف وزيادة أسعار العقار ومعدل التضخم، وظلت الحكومة هي المسؤول الأول عن صحة الاقتصاد، كما أن الثورة التكنولوجية أخذت مجراها في الكويت من أنظمة اتصالات حديثة إلى أجهزة الكمبيوتر التي أصبحت أساسا حتى للعمل الطلابي.
ومع هذه التغيرات مازالت الأهداف الاقتصادية ذاتها، إيجاد حلول لارتفاع سعر العقار ومحاولة خفض معدل التضخم وزيادة إنتاجية النفط وتنويع مصادر الدخل، وأظهرت العديد من الدراسات العالمية عدم تحصين الدول من هذه المشاكل الاقتصادية، والحل دائما يكمن في قراءة الإحصائيات بطريقة صحيحة ومن خلالها يتم تقييم الوضع وخلق دراسات وخطط تساهم في استقرارها بدلاً من التدهور الاقتصادي الناجم عن الأزمات.
وللتأثير على صانعي القرار في الكويت لاتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية الصحيحة، لابد من الالتفات إلى أهم خطوة في هذا الأمر، وهي دقة وصحة البيانات والإحصائيات التي تقدمها الجهات الحكومية، لا سيما الإدارة المركزية للإحصاء والهيئة العامة للمعلومات المدنية، وتفشي الاختلاف لذات المؤشرات الاقتصادية وغيرها في الجهات الحكومية المسؤولة عن الإحصائيات وانتشاره يساهم في سلك الطريق الخاطئ، وهذا بدوره يسرع من الفوضى الاقتصادية والسياسية ويصطدم بفقاعة التطور والتقدم التي تنادي بها الحكومة.
فشل الإصلاح الاقتصادي الذي تقوده الحكومة بجانب مجلس الأمة يشمل أزمة اختلاف البيانات والإحصائيات، واختلاف الاحصاءات والبيانات لنفس المؤشرات ينم عن ضعف في العمل والإدارة، فلا الإدارة العامة للإحصاء أرقامها متناسقة مع المعلومات المدنية ولا الهيئة العامة للبيئة عدد مصانعها للتدوير بنفس عدد المصانع في الهيئة العامة للصناعة، كما أن إحصاءات البلدي تختلف عن إحصاءات الإدارة العامة للإحصاء فيما يتعلق بحجم النفايات والتي في الأساس هي مصدر البيانات، أي يفترض أن تكون الارقام ذاتها.
كيف لمؤسستين حكوميتين تنشران أرقاما وإحصاءات مختلفة لنفس النموذج أو المؤشر، إحصاءات كعدد العاطلين عن العمل وعدد العاملين، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وحتى بعدد الوفيات والولادات.
مسؤولية الدولة
وتأتي المعلومات الرسمية التي يتداولها الناس كأمر مسلم به من عدة مصادر، كالتعداد السكاني وإجمالي الناتج المحلي ومعدل التضخم وأسعار السلع وغيرها من البيانات المهمة، فبجانب المؤسسات التجارية أو القطاع الخاص ووسائل الصحافة والإعلام تعتبر الحكومة المستفيد الأكبر من الإحصاءات.
وحتى تكون المعلومات المتعلقة بالاقتصاد أو المجتمع بشكل عام مفيدة، لا بد من أن تكون ذات مصداقية وجديرة بالثقة، إلا أن تقديمها للمجتمع بشكل مختلف بين الجهات يزعزع ثقة المجتمع بالحكومة، فكيف لحكومة ما أن تكون صادقة في الإصلاح الاقتصادي لا تهتم بإصلاح الخلل من نشر بيانات لذات المؤشرات بأرقام مختلفة.
غياب العقاب والثواب في الجهات الحكومية يبعث روح اللامبالاة لدى القياديين
الحكومات في جميع أنحاء العالم لها دور إنتاج الإحصاءات والبيانات الوطنية بطرق تزيد من مصداقيتها وفائدتها لإعلام صانعي السياسات والجمهور، والحكومة لا تقدم معلومات دقيقة للعمل على الاحتياجات والمتطلبات لإرشاد التخطيط الاقتصادي والمجتمعي وصنع القرار في الدولة وتوليد المعرفة.
مهمة الاستقرار الاقتصادي مسؤولية الدولة بمختلف جهاتها ومؤسساتها، والتطهير الاقتصادي غالباً يكون مصحوباً بالتطهير السياسي، مسؤولية الدولة اليوم خلق مؤسسات حكومية جادة للعمل، لاسيما أن الإدارة المركزية للإحصاء من أهم الجهات الحكومية التي تعتمد عليها الشركات والأفراد والدولة في التخطيط الاقتصادي وغيرها من الأمور.
لا عدالة في التقييم
ومن غير المنطقي أن تقوم الدولة بتقييم المشاريع وبرامج العمل ببيانات إحصائية قديمة، لأن البيانات والمعلومات الصحيحة إن تم نشرها في توقيت متأخر فإنها تصبح أقرب كثيرا للمعلومات الخاطئة التي لا قيمة لها، بحيث من الممكن أن تعرقل وتعقد بدلاً من أن تصلح.
فالتأخير في نشر الخطة الإنمائية الثالثة (2020 – 2025) مثال حي على عدم جدية الخطة بسبب نشرها في عام 2022 بدلاً من نشرها في توقيتها، وبذلك خطة متأخرة بأوضاع متقدمة، حيث تم ذكر عدد سكان الكويت في الخطة الإنمائية الثالثة نحو 4.5 ملايين نسمة لعام 2020، ولكن تم نشرها في عام 2022 وعدد السكان بلغ نحو 4.385 ملايين نسمة في عام 2022، كما تم ذكر أن نسبة المواطنين تبلغ 30 في المئة من التعداد الكلي، وفي وقت نشرها بلغت نسبة المواطنين 34 بالمئة من التعداد الكلي للسكان.
وتم ذكر توزيع المصروفات في ميزانية الدولة 2018-2019، والمعلومات أتت متأخرة جدا، صحيح أن ميزانية الكويت لا تحدث فيها تغيرات كبيرة من ناحية المرتبات والأجور والدعومات والإنفاق الرأسمالي، لكن خلال سنتين حدث تغيّر في النسبة والأرقام في الميزانية.
كيف تعتمد الدولة على خطة قديمة ونحن في عصر السرعة والتطور في كل شيء؟ تقييم البيانات والإحصاءات القديمة يؤدي لا محالة إلى أزمة أرقام وخطط لن تفيد ولن تقدم خطوة نحو الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
الإحصاءات وسوق العمل
المحاولات الأكثر طموحاً لكبح اختلاف الدراسات عن الواقع في سوق العمل مازالت مستمرة حتى اليوم، لسوء الحظ، أن تقييم الجهة المسؤولة عن سوق الوظائف لا تدير الأمر بشكل صحيح أو أنها تعتمد على بيانات وأرقام قديمة لا تلامس الواقع الحالي، ويبدو أن يد الاختلاف في المعلومات طال سوق العمل واحتياجاته، فعندما ينشر ديوان الخدمة المدنية في كل فترة التخصصات التي يحتاج لها السوق، يتبين أنها بعيدة عن الواقع.
وذكر الديوان العام الماضي أن تخصصات كالاعلام والعلاقات الدولية وعلوم سياسة وهندسة صناعية وهندسة كيميائية وهندسة البترول والغاز هي عبارة عن تخصصات لا يوجد لها احتياج، ومن الواضح أن هذه التخصصات لها حاجة في سوق العمل لسنا بصدد الحديث عنه الآن، إلا أن ذلك يبين عدم قدرة الديوان اما على قراءة الواقع أو استخدامها لبيانات قديمة.
إنقاذ إحصائي بالمحاسبة
ومع اقترابنا من رؤية 2035 ينتاب العديد من الاقتصاديين والمختصيين القلق من أن تكون الكويت في أول الطريق نحو السقوط الاقتصادي والسياسي، عدم القدرة على تحقيق الاهداف بعد اجتيازنا نصف الوقت على الرؤية يثير الخوف من الانهيار بدلا من الصعود نحو اقتصاد مستدام ومجتمع مدني لا يخشى المستقبل.
ومن الجيد أن تكون هناك جهة كالإدارة المركزية للإحصاء في الكويت، إلا أن ما يتم عمله على مدى السنوات الماضية لا يعطي أملا بالتعديل والالتزام في تقديم البيانات والإحصاءات الصحيحة وبشكل دوري وسريع.
ويجب أن تمتد يد الرقابة على الإدارة المركزية للإحصاء لا لشيء إلا لحماية تواكب الإحصاءات والبيانات مع الوضع الراهن وتقديمها بصورة سليمة وفي وقتها، كما عليها أن تتأكد من توافق الاحصاءات ما بين الجهات الحكومية وتكون اليد الكبرى على الإدارة حتى تقوم بدورها على أكمل وجه.
ويأتي الإنقاذ عن طريق محاسبة المقصرين عن أداء عملهم بأكمل وجه، فغياب العقاب والثواب في الجهات الحكومية يبعث روح اللامبالاة لدى الموظفين، ولن يأتي الإصلاح والتطور إلا عن طريق محاسبة المعنيين بأزمة البيانات وغيرها من الأزمات الاقتصادية.