كشفت بيانات الحساب الختامي للسنة المالية 2022/2023 عن تسجيل الكويت فائضاً مالياً للمرة الأولى منذ ثماني سنوات نتيجة ارتفاع أسعار النفط، مما ساهم في إعادة تمويل احتياطيات الدولة.
وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، من المتوقع أن تحقق موازنة السنة المالية 2023/2024 عجزاً مالياً أكبر نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى جانب تزايد النفقات الجارية ووصولها لمستويات قياسية.
في التفاصيل، وعلى الرغم من تعهد الحكومة بتنفيذ العديد من الإصلاحات المالية ومشاريع التنمية في خطة العمل الجديدة التي تمتد على مدار أربعة أعوام، فإن التنفيذ ما يزال يشكل تحدياً، وسط استمرار المخاطر التي تهدد الاستدامة المالية.
وأدى الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار النفط خلال عام 2022 إلى تزايد إيرادات النفط بشكل ملحوظ، مما ساهم في تسجيل السنة المالية المنتهية في مارس 2023 (السنة المالية 2022/2023) لفائض استثنائي.
وكشفت البيانات المالية عن تسجيل فائض قدره 6.4 مليارات دينار (11.8% من الناتج المحلي الإجمالي) – وهو أول فائض تسجله ميزانية الكويت منذ عام 2014 – مقارنة بالعجز المعاد تقديره بقيمة 4.3 مليارات دينار (10.3% من الناتج المحلي الإجمالي) في السنة المالية 2021/2022.
وبلغ متوسط سعر النفط (خام التصدير الكويتي) 97 دولاراً للبرميل، الذي يعتبر أعلى بكثير من سعر التعادل المالي المدرج في الموازنة بقيمة 80 دولاراً للبرميل، في حين ارتفع إنتاج النفط إلى 2.7 مليون برميل يومياً مقابل 2.5 مليون برميل يومياً في العام السابق.
وفي ذات الوقت، انخفضت الإيرادات غير النفطية بنسبة 13% إلى 2.1 مليار دينار بسبب توقف تعويضات الغزو وحرب التحرير التي تسددها الحكومة العراقية للكويت تحت إشراف لجنة الأمم المتحدة، مع استكمال تسديد الدفعة النهائية البالغة 600 مليون دينار في أوائل عام 2022.
وساهم ذلك في التخفيف من أثر الإجراءات الحكومية المتعلقة برفع الضرائب والرسوم غير النفطية (بما في ذلك الرسوم الجمركية) خلال العام (ارتفعت بنسبة +26%، على أساس سنوي) بعد أن قامت الحكومة بزيادة رسوم الخدمات العامة خلال العام في إطار جهودها المستمرة لزيادة الإيرادات غير النفطية.
وتم تعديل إجمالي النفقات المسجلة في الحساب الختامي للسنة المالية السابقة (أي السنة المالية 2021/2022) ورفعها بمقدار 1.3 مليار دينار وفقاً للقانون 47 لسنة 2022 الذي يسمح بنقل بعض البنود إلى حسابات السنة المالية التالية.
وقد يكون ذلك مرتبطاً بالإنفاق الإضافي المتعلق بصرف مكافآت الصفوف الأمامية في مواجهة فيروس «كوفيد 19» والنفقات الطبية المتراكمة سابقاً.
إضافة لذلك، يعزى انخفاض فاتورة الدعوم إلى تقليص البنود الأخرى المتعلقة بالرعاية الاجتماعية، وأبرزها نفقات العلاج في الخارج، على الرغم من ارتفاع دعم الطاقة والوقود إلى 1.97 مليار دينار نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
لكن من المستبعد استمرار هذا الاتجاه نظراً لأن تقديرات موازنة السنة المالية 2023/2024 تتضمن زيادة في الدعوم. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى انخفاض الإنفاق الرأسمالي بنسبة 20%، والذي وصل إلى ما نسبته 67% فقط من المخصصات المحددة للعام بأكمله بسبب التأخير المستمر في تنفيذ المشاريع التنموية.
موازنة السنة الحالية
تتضمن الموازنة التقديرية التي أقرها مجلس الأمة مؤخراً للسنة المالية الحالية (السنة المالية 2023/2024) تسجيل عجز قدره 6.8 مليارات دينار (13% من الناتج المحلي الإجمالي) مع وصول قيمة النفقات إلى 26.3 مليار دينار (+12% مقارنة بالموازنة السابقة) والإيرادات إلى 19.5 مليار دينار (-17% مقارنة بالموازنة السابقة).
وتستند تقديرات الإيرادات على افتراض سعر برميل النفط عند متوسط 70 دولاراً ووصول معدل الإنتاج إلى 2.68 مليون برميل يومياً، مقابل 80 دولاراً للبرميل و2.73 مليون برميل يومياً، على التوالي، في الموازنة السابقة.
وتعزى القفزة المتوقعة في النفقات إلى التسويات الاستثنائية (تدفع مرة واحدة) لسداد متأخرات السنوات السابقة لدعم الكهرباء والوقود المحلي بشكل رئيس (1.5 مليار دينار).
كما تشمل النفقات المتبقية مخصصات أعلى للأجور والضمان الاجتماعي (1.0 مليار دينار لبدلات الإجازات وبدلات الطلاب).
كذلك تم خفض مخصصات النفقات الرأسمالية بنسبة 15% مقارنة بالموازنة السابقة لتصل إلى 2.5 مليار دينار، لكن النفقات الرأسمالية المتوقعة قد ترتفع نظراً لانخفاض مستوى الانفاق الفعلي عن المستويات المقدرة في ميزانية العام الماضي، هذا إلى جانب خطة عمل الحكومة الجديدة التي تركز على المشاريع التنموية وتطبيق سياسات أكثر استقراراً.
كما أن إدراج بند «إيرادات الجهات المستقلة» الجديد بقيمة 1.8 مليار دينار سوف يساهم في خفض العجز إلى 5.1 مليارات دينار.
لكن من المتوقع تسجيل عجز بقيمة أقل، ربما يصل لنحو 1.6 مليار دينار (1.2% من الناتج المحلي الإجمالي)، وفقاً لتوقعاتنا التي تشير إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي العائدات النفطية المحققة مقارنة بالمستويات المدرجة ضمن الميزانية (85 دولاراً للبرميل مقابل 70 دولاراً للبرميل) كذلك باعتبار التوجهات التاريخية للحكومة المتمثلة في انخفاض الإنفاق الفعلي مقارنة بمخصصات الموازنة (بنحو 5%).
الاحتياطي العام
وأكدت الحكومة في عدة مناسبات مختلفة ضرورة إعادة رسملة صندوق الاحتياطي العام، الذي تم استنفاذه والسحب منه لسد العجوزات المتتالية في ميزانية الدولة على مدار الأعوام الماضية، وسعياً من الحكومة لتوفير السيولة الكافية في حالة المرور بصدمات مالية، وخصوصاً وسط غياب إقرار قانون الدين العام الجديد، لافتا الى ان التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من شأنه دعم إقرار بعض الاصلاحات المالية ومالاقتصادية.
ووسط توقعات بسحب مبالغ كبيرة من «الاحتياطي العام» خلال السنة الحالية نظراً للعجز المتوقع وعدم توافر خيارات بديلة للتمويل واستمرار معارضة مجلس الأمة لقانون الدين العام الجديد، فقد قدرت الأصول الاحتياطية بنحو 8.2 مليارات دينار بنهاية السنة المالية 2021/2022 وفقاً لديوان المحاسبة، ومن المرجح أن تكون قد شهدت نمواً ملحوظاً منذ ذلك الحين نظراً للفائض الذي تم تحقيقه العام الماضي وقرار الحكومة بالتخلي عن الالتزام باستقطاع نسبة 10% من الإيرادات لصندوق الأجيال القادمة في السنوات التي تسجل خلالها الميزانية لفائض فعلي مقابل تحويل هامشي بنسبة 1% من الفائض (64 مليون دينار).
رؤية 2035
أكدت الحكومة التزامها بتطبيق الإصلاحات المالية واستكمال مشاريع البنية التحتية المرتبطة برؤية 2035، حيث كشفت في يوليو عن تفاصيل خطة عمل طموحة مدتها 4 سنوات، وتتضمن خطة العمل الطموحة آنفة الذكر، التي تم تأجيلها من العام الماضي، ست ركائز رئيسية وأكثر من 100 مشروع، وتركز على الإصلاح المالي والتنمية الاقتصادية والتنويع وإعادة هيكلة الوزارات الحكومية وتحقيق الرفاهية المستدامة. وتهدف الإصلاحات المالية إلى تعزيز الإدارة المالية الحكيمة والحفاظ على درجة أكبر من السيطرة على الإنفاق. وتشمل المقترحات زيادة الإيرادات عن طريق فرض الضرائب على الشركات، ومراجعة قيمة الرسوم والغرامات، وتعزيز نظام تحصيل الإيرادات.
وخلال الفترة الوجيزة التي تلت الإعلان عن الخطة، أصدر وزير المالية تعليمات للجهات الحكومية المختلفة فيما يتعلق بالممارسات المحاسبية وضبط النفقات لكبح جماح النفقات المفرطة، وتحسين الرقابة الوزارية وحل مشكلة الحسابات المؤجلة بصفة متكررة.
وتشمل الإجراءات الجديدة ضرورة الحصول على موافقات مسبقة على كافة اللوائح المتعلقة بالإنفاق، وتفعيل شبكة دول مجلس التعاون الخليجي لتحصيل الرسوم والغرامات من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ووضع حد أقصى للدفعة المقدمة من العقود بنسبة 20% ووضع سقف بقيمة 75.000 دينار على كافة التعاقدات ما لم تكن قد حصلت على موافقة مسبقة من إدارة الفتوى والتشريع.
إلى ذلك، من شأن استمرار الافتقار إلى خيارات التمويل وإمكانية نضوب «الاحتياطي العام» مرة أخرى والاعتماد الشديد على العائدات النفطية أن تشكل مخاطر مستمرة على التصنيف الائتماني السيادي.
الرعاية الاجتماعية
وتزايدت الدعوات لتبني سياسات شعبوية مؤيدة للرفاهية الاجتماعية منذ انعقاد الجلسة الأخيرة من الفصل التشريعي في 3 أغسطس. ومما يشكل هم للحكومة من التأثير السلبي المحتمل على الموازنات المستقبلية، خصوصاً أن العديد من الإجراءات المقترحة ستكون عبارة عن نفقات جارية متكررة.
وتتعارض زيادة النفقات مع بعض أهداف خطة العمل، خصوصاً تلك المتعلقة بالاستقرار المالي والتوظيف في القطاع الخاص. وتتسم قائمة المقترحات بأنها واسعة النطاق، إذ تصل في مجملها إلى 16 مقترحاً، بما في ذلك اسقاط قروض المواطنين، وزيادة رواتب كل المواطنين في القطاع العام 400 دينار، وزيادة علاوات الأطفال والطلاب، والتراجع عن الجولة الأخيرة لرفع أسعار الوقود (يعني ضمنياً زيادة الدعوم)، ووضع حد أقصى لأسعار الكهرباء، وزيادة الدعم على مواد البناء. كما تم اقتراح توزيع 20% من عائدات استثمارات صندوق الأجيال القادمة على المواطنين.
وقد يواجه إقرار هذه المقترحات مقاومة قوية من الحكومة بالإضافة إلى صعوبات قانونية وإدارية في التنفيذ. إلا أن بوادر التعاون قد بدأت تلوح في الأفق بين الحكومة المشكلة حديثاً ومجلس النواب فيما يتعلق بعدد من الأمور من ضمنها الموازنة العامة، على الأقل، وهو الأمر الذي قد يدل على تحسن التعاون بين السلطات خلال الدورة التشريعية المقبلة والقدرة على إقرار بعض الإصلاحات المالية والاقتصادية المهمة، إضافة إلى البدء بتنفيذ بعض المشاريع الاستراتيجية رغم الصعوبات التي برزت خلال الفترات السابقة.