دومينو الانقلابات في إفريقيا يضرب الغابون
• الجيش يعزل بونغو ويبطل فوزه بالانتخابات... وإدانة فرنسية وإفريقية
• إدانة إفريقية وفرنسية وقلق روسي وصيني بعد استيلاء ضباط على السلطة وإلغاء الانتخابات وحلّ المؤسسات
انتقلت عدوى الانقلابات العسكرية التي تضرب غرب إفريقيا ووسطها منذ 2020 إلى دولة الغابون، إذ أعلن 12 ضابطاً بزعامة قائد الحرس الجمهوري بريس أوليغي نغويما الإطاحة بالرئيس علي بونغو واحتجازه أمس.
وبعد ساعات معدودة من إعلان فوز بونغو بولاية رئاسية ثالثة وسط إجراءات أمنية مشددة وقطع لخدمة الإنترنت تحسباً لوقوع اضطرابات، قال الضباط في مقطع فيديو بث عبر التلفزيون الرسمي، إنهم قرروا إلغاء نتائج الانتخابات التي أجريت السبت الماضي وسط غياب لأي رقابة دولية وشككوا في مصداقيتها. وأعلن الضباط «إنهاء النظام القائم»، وقالوا إن الرئيس لم يحق له الحصول على ولاية ثالثة، في إشارة إلى قيام حزبه بتعديلات دستورية منذ 6 أشهر للسماح له بالاستمرار في السلطة التي خلف فيها والده عمر بونغو منذ 2009.
وذكروا أنهم شكلوا «لجنة انتقال وإعادة بناء لمؤسسات الدولة»، مضيفين أنهم عيّنوا قائد الحرس الجمهوري رئيساً للجنة الانتقالية، إضافة إلى توليه مسؤولية إدارة البلد الغني بالموارد والنفط.
وأفادت اللجنة الانتقالية، في بيان، بأن الرئيس بونغو وُضع «قيد الإقامة الجبرية» محاطاً بعائلته وأطبائه، في حين أوقف أحد أبنائه وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة والحزب الديموقراطي الغابوني الحاكم بتهمة «الخيانة العظمى» ضد مؤسسات الدولة واختلاس أموال عامة وفساد واتجار بالمخدرات. وقررت اللجنة إغلاق حدود البلاد، حتى إشعار آخر.
وفي وقت خرجت احتفالات شعبية باستيلاء الجيش على السلطة وسط العاصمة ليبرفيل بعد سماع دوي إطلاق نار محدود، تداولت مواقع تواصل مقطعاً مسرباً للرئيس بونغو، 64 عاماً، يطالب فيه أنصاره بالتظاهر والاحتجاج ويحث العالم على تحرك حقيقي ضد محتجزيه وأسرته.
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، سارعت فرنسا التي لوح رئيسها إيمانويل ماكرون منذ يومين بمساندة جهود منظمة «إيكواس» الإفريقية لإعادة النظام الدستوري في النيجر بالوسائل الدبلوماسية والعسكرية، إلى إدانة انقلاب الغابون الذي يعد الثامن في مستعمراتها السابقة بإفريقيا خلال السنوات الثلاث الماضية. وأكد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران أن باريس تراقب الأحداث عن قرب في ليبرفيل.
وحذر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من تعرض المنطقة الإفريقية لمزيد من الاضطرابات على خلفية الأحداث بالغابون، واصفاً ما يحدث في غرب إفريقيا بأنه يمثل «قضية كبيرة» لأوروبا.
كما طالبت السفارة الأميركية رعاياها بوضع خطط للمغادرة وإبقاء وثائق السفر جاهزة لاحتمال تدهور الأوضاع الأمنية.
وفي وقت اتسمت المواقف الغربية بالحذر والتحفظ في ظل تنامي مخاوف من تحقيق روسيا لمكاسب استراتيجية بمنطقة غنية بالموارد وتنشط بها جماعات متشددة، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن «الوضع في الغابون يثير قلقاً شديداً ونحن نراقب ما يحصل عن كثب». وفي بكين، دعت وزارة الخارجية الصينية إلى حل الموقف في الغابون سلمياً وإعادة النظام الطبيعي فوراً مع الحفاظ على سلامة الرئيس الشخصية.
من جهته، ندد مجلس الاتحاد الإفريقي بالانقلاب ووصفه بأنه انتهاك صارخ للقانون وسياسته، داعياً الأطراف في الغابون للعمل لإعادة النظام الدستوري الديموقراطي بالبلاد.
وفي تفاصيل الخبر:
في خضم انشغال دولي وإقليمي بتداعيات إطاحة جيش النيجر الرئيس محمد بازوم وتلويح مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية (إيكواس) بالتدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري لنيامي، أعلن ضباط كبار في جيش الغابون، الاستيلاء على السلطة، لتكون بذلك أحدث دولة تسقط بفخ الانقلابات العسكرية التي تضرب منطقة غرب القارة السمراء ووسطها منذ 2020.
وظهر 12 ضابطاً على شاشة التلفزيون الرسمي، ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، لإعلان إلغاء نتائج الانتخابات التي أجريت السبت الماضي في ظل غياب أي رقابة دولية، وأسفرت عن فوز الرئيس علي بونغو بولاية جديدة.
وقالوا إن الانتخابات، التي أعلنت نتائجها قبل ساعات وفاز بها بونغو بنسبة 64%، افتقرت للشفافية والنزاهة ونتائجها باطلة، مؤكدين أنهم تدخلوا لأن الرئيس لم يكن يحق له الحصول على ولاية ثالثة، في إشارة إلى قيام حزبه الحاكم بتعديلات دستورية منذ 6 أشهر للسماح له بالاستمرار في السلطة.
وذكر الضباط، الذين قدموا أنفسهم بصفتهم أعضاء في لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات، أن الغابون «تمر بأزمة مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية حادة».
وأكدوا أنهم «باسم الشعب قرروا الدفاع عن السلام من خلال وضع نهاية للنظام الحالي».
وفي بيان آخر على التلفزيون الرسمي قال ضباط الجيش إنهم احتجزوا بونغو الذي تولى السلطة في 2009 خلفاً لوالده عمر بعد أن ظل يحكم البلاد منذ عام 1967، والذي تتهم عائلته بعدم تقديم الكثير لمشاركة ثروة البلاد النفطية والتعدينية مع المواطنين البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة. كما أوقف أحد أبناء بونغو بتهمة «الخيانة العظمى».
وأفاد الضباط بإغلاق حدود البلد، العضو بمنظمة تصدير البترول (أوبك)، وحل مؤسسات الدولة، وقالوا إنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع.
أوليغي والاحتفالات
وفي حين برز اسم قائد الحرس الجمهوري برايس أوليغي نغويما الذي ظهر محمولاً على أكتاف الجنود، بعد ساعات من إعلان عزل بونغو كقائد للانقلاب، أفادت تقارير بسماع دوي أعيرة نارية في العاصمة ليبرفيل لفترة وجيزة بعد إعلان إطاحة بونغو، لكن الشوارع اتسمت بالهدوء إلى حد كبير قبل بدء احتفالات شعبية وانتشار عناصر من الشرطة لحراسة التقاطعات الرئيسية بالمدينة.
مناشدة بونغو
في هذه الأثناء، تداولت منصات مؤيدة لحزب «الغابون الديموقراطي» الحاكم مقطع فيديو يظهر الرئيس المحتجز، (64 عاماً)، وهو يدعو أنصاره للتحرك ورفع الصوت من أجل قطع الطريق على محتجزيه. وجاء في مقطع الفيديو القصير المسرب: «أنا رئيس الغابون علي بونغو، أوجه رسالة لجميع الأصدقاء في جميع أنحاء العالم بالتحرك حيال احتجازي أنا وعائلتي من قبل هؤلاء الأشخاص. ابني في مكان مجهول، وزوجتي في مكان آخر، وأنا هنا في المقر الرئاسي. الآن أنا هنا ولم يحدث شيء، ولا أعرف ما الذي يحدث.. لذا أناشدكم بالتحرك الحقيقي».
إدانة وغموض
وفي وقت أضفى الانقلاب مزيداً من الغموض حول مستقبل وجود فرنسا في المنطقة خاصة بعد انقلابي مالي وبوركينا فاسو، حيث طردت السلطات العسكرية هناك القوات الفرنسية، دانت باريس، القوة الاستعمارية السابقة التي تحتفظ بنحو 350 جندياً في الغابون، الانقلاب.
وأكد الناطق باسم الحكومة الفرنسية، أوليفييه فيران، أن بلده «تدين الانقلاب وتراقب بانتباه شديد تطورات الوضع».
وقال فيران إن باريس «تؤكد مجدداً رغبتها بأن يتم احترام نتيجة الانتخابات حينما تعرف».
كما دعت السفارة الفرنسية في الغابون المواطنين الفرنسيين إلى عدم النزول للشارع في ظل التطورات الأمنية.
وأفادت شركة التعدين الفرنسية «إراميت»، التي تملك وحدة «كوميلوغ» لإنتاج المنغنيز في الغابون، بأنها علّقت كل عملياتها في البلاد في أعقاب التطورات. وقد دان الاتحاد الافريقي بشدة الانقلاب.
في موازاة ذلك، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن وزراء دفاع دول التكتل «سيناقشون الموقف في الغابون، واحتمال وقوع المزيد من الانقلابات والاضطرابات» بالمنطقة.
ووصف ما يحدث في غرب إفريقيا بأنه يمثل «قضية كبيرة» لأوروبا. كما طالبت السفارة الأميركية رعاياها بوضع خطط للمغادرة وإبقاء وثائق السفر جاهزة لاحتمال تدهور الأوضاع الأمنية.
من جانب آخر، دعت وزارة الخارجية الصينية إلى حل الموقف في الغابون سلمياً، وقالت إنه يجب الحفاظ على السلامة الشخصية لبونغو الذي زارها في أبريل الماضي.
وحث متحدث «الخارجية» الصينية وانغ وينبن الأطراف المعنية في الغابون على «العودة الفورية للنظام الطبيعي في البلد»
وفي موسكو، وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن «الوضع في الغابون يثير قلقاً شديداً ونحن نراقب ما يحصل عن كثب».
ورغم أن الغابون لا تعاني خطر جماعات إسلامية مسلحة كما هي الحال في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، إلا أن الانقلاب الجديد يشير إلى المزيد من تراجع المسار الديموقراطي في منطقة مضطربة.
وتصاعدت مخاوف من حدوث اضطرابات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتشريعية التي أجريت السبت الماضي، في ظل غياب أي رقابة دولية، وسعى بونغو من خلالها لتمديد حكمه بالتنافس مع 18 مرشحاً، فيما ضغطت المعارضة من أجل التغيير ورفض فريقه اتهامات بالتزوير.
ما أهمية الغابون للولايات المتحدة؟
في 25 الجاري، أي قبل 5 أيام من الانقلاب على حكم الرئيس علي بونغو في الغابون، أصدرت «الخارجية» الأميركية بيانا بشأن هذه الدولة الواقعة في وسط غرب إفريقيا، حثّت فيه شعب الغابون على «ممارسة حقه في التصويت وجعل أصواته مسموعة»، وحمل في طياته انتقادا مبطّنا لبونغو، الذي يحكم البلاد منذ عام 2009.
ولدى واشنطن مصالح استراتيجية في الغابون تتلخص فيما يلي:
أهمية دفاعية
أجرت أفرع عدة من القوات الأميركية في أبريل الماضي مناورات مشتركة مع قوات جيش الغابون.
وسعت المناورات إلى اختبار قدرات القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا على الاستجابة للأزمات، خاصة في حالة احتياج الأفراد والاستثمارات الأميركية إلى تدخّل طارئ، وتطوير العلاقات الدفاعية مع الدولة المضيفة، أي الغابون، من خلال تبادل المعرفة.
الديون مقابل البيئة
في منتصف الشهر الجاري، أجرت الغابون ومؤسسات أميركية أول صفقة قايضت فيها الدولة الإفريقية بين ديونها وحماية الطبيعة، وشملت الصفقة إعادة شراء ما يعادل 500 مليون دولار من ديونها الدولية.
والأمر عبارة عن شراء ديون الدولة من قبل بنك أو مؤسسة استثمارية، على أن تستبدل بقروض أرخص ذات فائدة أقلّ تسمى سندات زرقاء، مع ضمان ائتماني، وتسثمر الأموال المتوافرة في برامج حفظ الطبيعة.
واعتبرت هذه أول صفقة في القارة الإفريقية جمعت بين الديون وحماية الطبيعة. وشاركت مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية في دعم الصفقة عبر التأمين لها ضد المخاطر السياسية. ويعزز هذا الأمر جهود الغابون في حماية أنظمتها البيئية البحرية. وتعدّ شواطئ الغابون ومياهها الإقليمية أكبر موطن في العالم لحيوانات مهددة بالانقراض، مثل السلاحف الجلدية الظهر والدلافين الحدباء الأطلسية.
النفط
وتقول وثيقة صادرة عن خدمة أبحاث «الكونغرس» الأميركي عام 2019 إن الغابون (المستعمرة الفرنسية السابقة الغنية بالنفط) تقع في خليج غينيا الجيواستراتيجي.
تأثير الدومينو...7 انقلابات إفريقية في 3 سنوات
شهدت إفريقيا 7 انقلابات عسكرية منذ أغسطس 2020، قبل الانقلاب الذي بدأ أمس، في الغابون، فيما يشبه تأثير الدومينو الذي هو تفاعل تسلسلي يحدث عندما يسبب تغيير صغير تغييراً مماثلاً بجواره، وهكذا دواليك. فيما يلي الدول التي شهدت هذه الانقلابات.
• النيجر: في 26 يوليو 2023، أعلن عسكريون إطاحة الرئيس محمد بازوم، وأصبح الجنرال عبدالرحمن تياني الرجل القوي الجديد في البلاد.
• بوركينا فاسو: انقلابان خلال ثمانية أشهر، الأول في 24 يناير 2022، عندما أطاح الجيش الرئيس روش مارك كريستيان كابوري من السلطة، وتم تنصيب اللفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيساً، والثاني في 30 سبتمبر، عندما أقال الجيش داميبا وعيّن الكابتن إبراهيم تراوري رئيسا انتقالياً.
• السودان: في 25 أكتوبر 2021، أقصى عسكريون بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان المسؤولين المدنيين الانتقاليين الذين كان من المفترض أن يقودوا البلاد نحو الديموقراطية بعد ثلاثة عقود من دكتاتورية عمر البشير الذي أطيح عام 2019.
• غينيا: في 5 سبتمبر 2021، تمت الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي في انقلاب عسكري. وفي 1 أكتوبر، نُصّب الكولونيل مامادي دومبويا رئيساً. وتعهّد العسكريون بتسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين بحلول نهاية عام 2024.
• مالي: انقلابان خلال تسعة أشهر، الأول في 18 أغسطس 2020، أطاح الجيش الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتم تشكيل حكومة انتقالية، لكن في مايو 2021، اعتقل الجيش الرئيس ورئيس الوزراء، وتم تنصيب الكولونيل أسيمي غويتا رئيساً انتقالياً.