اعتبرت النائبة البرلمانية السابقة والأكاديمية الكويتية د. أسيل العوضي أن «دخول المرأة المعترك السياسي يعد تصحيحا للمسار، حيث إن العائق الأهم أمام المرأة في الكويت أو الدول العربية يكمن في الثقافة الذكورية، حتى أن بعض التفسيرات الدينية تم تشويهها لتخدم هذه الثقافة، أضف إلى ذلك غياب أي تنظيم للعمل السياسي وحرية الرأي وثقافة الاختلاف، فالاستبداد سيد الموقف».
ورأت د. العوضي أن «العمل السياسي ليس المجال الوحيد لتعزيز مكانة المرأة، إذ إن إصلاح التعليم يشكل أساسا لإصلاح الدولة وبناء الإنسان»، كاشفة أنها قد تعاود نشاطها السياسي في حال تغيرت الظروف، ووُجدت التشريعات التنظيمية التي تتيح القيام بدور فاعل، «لكنني على الأقل كنت النموذج الذي أحلم أن أراه اليوم في البرلمان».
وأعربت عن أسفها لما تمثله الساحة السياسية في البلاد من ساحة حرب، يتم فيها تراشق الاتهامات وخرق القواعد الأخلاقية، وحملت السلطة مسؤولية قيادة التغيير، من خلال طرحها برنامج وطني يتبناه الجميع، ويكون قابلا للتطبيق، فالمسؤولية مشتركة لجهة عدم إيجاد مخارج للحلول، والمواطن كذلك يتحمل المسؤولية.
تدريب مكثف
وكانت د. العوضي حلت ضيفة أكاديمية لوياك للفنون –«لابا»، في حلقة حوارية جديدة من حوارات برنامج الجوهر للتدريب الإعلامي، والتي خضع خلالها شباب وشابات شغوفون بمجال الإعلام من الكويت ولبنان، لجلسات تدريبية مكثفة على مدى خمسة أيام، تحت إشراف الإعلامي القدير زافين قيومجيان. بداية، رحب قيومجيان بالنائبة السابقة، وأشاد بسلسلة الحلقات الحوارية التي تستضيف كوكبة من كبار الشخصيات العربية المؤثرة، مبينا أن الورش التدريبية تمحورت حول أساسيات الحوار وكيفية صياغة الأسئلة والمحاور وإتقان الحوار الشيق والمسؤول.
وأشار إلى أن المشاركين أظهروا شغفا وجدية كبيرة، متوجها بالشكر إلى رئيسة مجلس إدارة «لابا» فارعة السقاف على مجهودها الكبير لإقامة هذا النوع من الورش، وكذلك فريق عمل الأكاديمية على تفانيه.
واستهلت الحلقة بتقرير مصور من إعداد المشاركين، اختزل مسيرة د. العوضي البرلمانية والسياسية والأكاديمية، ونضالها في سبيل حقوق المرأة والمساواة والعدالة الاجتماعية، سواء كأستاذة جامعية أو كنائبة في مجلس الأمة، مبينا كيف دخلت د. أسيل تاريخ الكويت، كأول امرأة تدخل السباق الانتخابي لمجلس الأمة، والتي نجحت في المحاولة الثانية، فكانت ضمن أربع سيدات يدخلن البرلمان للمرة الأولى.
المعترك السياسي
وتحت عنوان «المرأة في العمل السياسي»، انطلق المحور الأول مع المشاركة حوراء الإبراهيم، طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، حيث أعربت د. أسيل عن امتنانها واعتزازها بالمشاركة في حلقات «الجوهر»، ورأت أن «دخول المرأة المعترك السياسي يعتبر تصحيح مسار وليس ترفا، فالمرأة كانت مستبعدة عن المشاركة السياسية منذ خمسين عاما، رغم أنها تشكل نصف المجتمع، لذلك ومع تجربتنا البرلمانية عام 2009، سجل التاريخ تصحيحا للمسار، عبر دخول المرأة وتثبيت صوتها داخل مجلس الأمة». وأضافت: «أما دخولي المعترك السياسي وقرار خوض الانتخابات، فلم يكن مخططا له، حيث إنني كنت ناشطة سياسية منذ المرحلة الثانوية، وكنت أهتم بالشأن السياسي وحقوق المرأة ومفاهيم العدالة الاجتماعية، وعندما حل المجلس عام 2008 كنت عضوة في التحالف الوطني الديموقراطي فعرضوا علي تمثيل التحالف في الانتخابات، وكنت المرأة الوحيدة التي نافست على الفوز، الأمر الذي دفعني بعد حل المجلس إلى خوض التجربة، كونه كان واضحا، بناء على النتائج السابقة، أن مقعدي كان محجوزا».
مجال غير منظم
وحول كيفية تعزيز الدور السياسي للمرأة، اعتبرت ضيفة «الجوهر» أن العمل السياسي ليس المجال الوحيد الذي يستطيع المرء من خلاله أن يعزز مكانة المرأة، حيث إن تأثير العمل الإنساني والتعليمي أقوى بكثير، مشيرة إلى أن «التعاطي بالشأن السياسي في مجتمعنا جرعته أقوى من المجتمعات الخليجية أو العربية».
ولفتت إلى أن الصوت بالشأن السياسي ربما أعلى، لكن التأثير محدود، حيث إن العائق الأهم أمام المرأة في المجال السياسي بالكويت أو الدول العربية يكمن في الثقافة الذكورية، فالمرأة دائما ضحية هذه الثقافة التي تعتبر السياسة منوطة بالرجل، وحتى هناك نساء يتبنين هذه الثقافة، وهناك عوائق أخرى حيث إن المجال السياسي ذاته غير منظم، لا جمعيات سياسية ولا أحزاب، وهناك من يتحسس من كلمة أحزاب. وشددت على «ضرورة أن تصوت المرأة للمرشح الذي يمثلها ويمثل توجهاتها السياسية والفكرية، سواء كان رجلا أو امرأة، فلنصوت للأكفأ، والجدير ذكره أن المرأة الكويتية وصلت بكفاءتها ومجهودها الشخصي إلى البرلمان، من دون دعم جمعيات أو جماعات سياسية أو أحزاب، فما من أحزاب أو تجمعات سياسية في الكويت، وهذا مؤسف، إذ إننا نرغب في رؤية أكثر من نائبتين، خصوصا أن العديد من النساء والشابات يملكن إمكانيات وتطلعات سياسية، لكن تنقصهن عوامل عديدة كالدعم المادي والتدريب وتعزيز الثقة بينهن وبين المجتمع، أضف إلى ذلك غياب أي قنوات للنساء لصقل مهاراتهن السياسية ومساندتهن لخوض الشأن السياسي، كما أن عملنا السياسي يدار بشكل أكبر في الدواوين، والمرأة خارج هذا السياق».
ساحة حرب
وفي المحور الثاني، استعرضت المشاركة زينة نصرالله، خريجة الإعلام والباحثة في مجال الإعلام بالكويت، تجربة العوضي في البرلمان وخارجه، بعد 24 عاما من العمل السياسي، سائلة: «غبتِ عن المشهد السياسي بكل تقلباته واكتفيتِ بدور الناقدة، فكيف تقيمين تجربتك البرلمانية؟».
وتركت د. العوضي تقييم تجربتها للناس، قائلة: «على الأقل كنتُ النموذج الذي أحلم أن أراه في البرلمان اليوم، فخلال تلك الفترة القصيرة قدمتُ الكثير من المقترحات ومشاريع القوانين التي لم تكن مألوفة حينها أو لم تكن تلقى الصدى عند باقي النواب، ورغم امتلاك كل نائب أجندة مختلفة تجعل العمل الفردي غير مجدٍ لكنني راضية عما قدمته ضمن نطاق المعطيات والظروف السياسية وعدم الاستقرار آنذاك». وذكرت بالمكاسب التي قدمها برلمان عام 2009، قائلة: «حاولنا تعديل مجموعة من القوانين، بينها قانون العمل في القطاع الأهلي، والرعاية السكنية للمرأة ولأبناء الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وغيرها من القوانين، بهدف إعطاء المرأة حقوقا متساوية مع الرجل، لكن قانون الأحوال الشخصية كان الأصعب لناحية التعديلات».
وحول اعتزالها العمل السياسي مرحليا، ذكرت: «لا أتقن فن التراشق ولا أستهويه، فالساحة السياسية كانت وما زالت كأنها ساحة حرب، وفي الحرب كل شيء مباح من خرق القواعد الأخلاقية والقذف والاتهامات من غير أدلة وتشويه السمعة، لاسيما في ظل غياب الجماعات السياسية وحرية الرأي وثقافة الاختلاف، فالاستبداد سيد الموقف، وهو ليس نابعا من السلطة إنما من الرأي العام للأسف، أو مَن يعتقدون أنهم الأغلبية، وثقافة الاستبداد لا تصلح لارتقاء المجتمعات، لذلك غيابي ليس طلاقا دائما، إنما انفصال مرحلي، لأنني أعتقد أن وجودي في هذه المرحلة غير مجد والإنجاز صعب، فمتى تغيرت الظروف ووجدت التشريعات التنظيمية وشعرت بدور فاعل، سأعود».
لست متفائلة بمستقبل أفضل
وفي إجابتها عن سؤال الأستاذ زافين، حول تفكيرها في تأسيس أول حزب تقوده امرأة بالكويت، قالت د. العوضي: «لا نملك قانونا لتنظيم العمل السياسي كي أؤسس حزبا، لكن في حال أُقر هكذا قانون، لا شيء يمنع، خصوصا أن قانون إنشاء الأحزاب السياسية كان من أوائل القوانين التي قدمتها، لكنه لم يخرج من أدراج اللجنة التشريعية. ولا وجود حتى لقانون تعارض المصالح ولا لقانون يضمن الشفافية في التعاملات المالية للنواب».
وعن رأيها في البرلمان، أوضحت أن «مخرجاته تحاكي الواقع الحالي، ولست متفائلة بمستقبل أفضل، ربما نشهد إنجازا، لكنني لا أعتقد أننا سننتقل لمرحلة أفضل من الحلقة المفرغة، علما أن التشاؤم غير موجود في قاموسي، لكنني واقعية، فنحن نبحث عن الحلول لمشاكلنا في الاتجاهات الخاطئة، والوضع العام يتطلب تنمية عقل الإنسان وثقافته وتعليمه وتعزيز قيمه الأخلاقية وقدرته على اتخاذ القرارات والأحكام، عوض التركيز فقط على بناء المؤسسات».
وعما إذا كان اختيارها كملحقة ثقافية في سفارة البلاد بالولايات المتحدة يعد تكريما أم إقصاء لها، بينت أن «قصة الملحقية جاءت مصادفة، وكانت تجربة مختلفة مليئة بالتحديات، حيث تعاملت مع فئة عمرية صغيرة ومغتربة، فالمسؤولية كانت أعظم وأكبر، لرعايتهم والوقوف بجانبهم»، معربة عن اعتزازها بأداء الطالبات الكويتيات في الغربة، وقدرة معظمهن على التحصيل العلمي وإدارة شؤون حياتهن والثبات والمثابرة والتخطيط، وقد أثبتن أنهن أكثر قدرة على تحمل المسؤولية من بعض الطلاب الشباب.
إصلاح التعليم أساس لإصلاح الدولة
وفي المحور الثالث، تطرقت المشاركة نور البابا، طالبة الإعلام في الجامعة اللبنانية الأميركية، إلى نشأة د. العوضي وحياتها الشخصية، حيث قالت البرلمانية السابقة: «نشأت في أسرة محافظة، فتعرضت للتمييز وحرمت من متابعة دراستي الجامعية في الولايات المتحدة، تحت هاجس الخوف، وربما هذا التمييز أثر على اهتماماتي بمفاهيم العدالة الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة».
وأضافت أنها لم تندم أبدا على انتقالها من تخصص الهندسة إلى الفلسفة، قائلة: «أنا قارئة للفلسفة منذ مرحلة الثانوية، أحببت المادة بشغف واستمتاع عكس الرياضيات، كما كنت في طفولتي متعددة المواهب، من قراءة الكتب والروايات والشعر إلى الموسيقى والرسم والرقص والفنون التي تهذب إنسانية الإنسان منذ عمر صغيرٍ»، معتبرة أن «الأحلام لا حدود لها، وأنا أحلم بمعاملة المرأة كشريك للرجل وبتعليم أفضل لأبنائنا، لأن إصلاح التعليم أساس لإصلاح الدولة والمجال السياسي، وبالتعليم نبني الإنسان».
من جهتها، تطرقت المشاركة جنى العتيقي، طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، إلى شغف د. العوضي بالتدريس، حيث أعربت ضيفة «الجوهر»، في المحور الرابع، عن عشقها للتعلم والتعليم، فقاعة التدريس بنظري مساحة للمتعة والتفاعل والتحدي، من خلال تنمية مهارات التفكير النقدي وتحفيز الطلاب على التساؤل لإعادة النظر بقناعاتهم واتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام، مضيفة أن «نظامنا التعليمي ما زال بعيدا عن تأهيل هذا الجيل للتعامل مع العصر الحالي».
آن الأوان لمكافحة الثقافة الذكورية
وخصص المحور الخامس حول تعامل د. العوضي مع قوانين الأحوال الشخصية، بحيث طرحت المشاركة منال كلسينا، طالبة الصحافة والإعلام في جامعة العزم اللبنانية، سؤالا عن حق المرأة الكويتية المتزوجة من أجنبي في إعطاء الجنسية لأولادها، ولفتت الناشطة النسوية إلى أنها مع معاملة المواطن والمواطنة على حد سواء، وتمكينها من منح جنسيتها، فالرجل يتزوج أكثر من زوجة غير كويتية ويمنحهن الجنسية، ورأت أن قانون الولاية على الأبناء نتاج ثقافة ذكورية آن الأوان لمكافحتها، فقد يكون الشخص غير مؤهل، لذلك لا يمكن إعطاء الولاية على أساس الجنس، وهناك تفسيرات دينية تم تشويهها لتخدم الثقافة الذكورية.
وتحت عنوان «النسوية بين جيلين أو أجيالٍ عديدة»، سألت المشاركة زينة زكارنه طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، ضيفة «الجوهر» عن نظرتها تجاه الحركة النسوية، فأجابت ضمن المحور السادس، قائلة إن مفهوم الحركة النسوية يختلف عليه كثيرون ويثير حفيظة البعض، لاعتقاده أنها دعوة للتحرر غير المقبول في مجتمع محافظ، لكن الحركة النسوية هي أي توجه يؤمن بحقوق المرأة المساوية للرجل، وينتصر لحق المرأة في المواطنة وغيرها من الحقوق.
وتحدثت عن التعليم «كأهم استثمار للأهل في أبنائهم وبناتهم، فالفرص لا تُعوض والابنة كما الابن لها الحق في استكمال تحصيلها العلمي بالخارج، نظرا لما يمثل ذلك من تجربة مفيدة، ليس فقط لاكتساب العلم، إنما لصقل الشخصية ومواجهة المشاكل والتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرارات، فالطموح لا حدود له، والدراسة في الجامعات الغربية خطوة مستحقة، لكن التحديات الحقيقية في حياة المرأة تبدأ بعد الشهادة، وأتمنى أن تستثمر الطالبات تجربتهن في الدول الغربية، سواء لناحية إتقان عوامل تقدم تلك المجتمعات أو اكتساب ثقافتها وأساليبها في التعليم».
القضية الفلسطينية محورية
أما المحور السابع الأخير، تحت عنوان «اقتباسات واختتام»، فتطرق خلاله المشارك عبدالحميد اسماعيل، طالب الإعلام والصحافة في جامعة العزم اللبنانية، إلى القضية الفلسطينية، وأفادت الناشطة السياسية بأن موقفها من تلك القضية لا يختلف عن الموقف الرسمي للدولة، «فنحن ندعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وندين الاحتلال الغاشم، ونتمنى الوصول إلى حل عادل ينصف إخواننا في فلسطين. هذه القضية كانت وما زالت ولابد أن تبقى قضية محورية، لأنها لم تحسم وما زالت ملفا مفتوحا، وموقف الدولة والبرلمان فاعل في هذه القضية، ودائما تكون محورا، حتى في اللقاءات الخارجية، وهذا مدعاة فخرٍ لنا».
وعن علاقتها بلبنان وعشقها للفنانة القديرة فيروز، استذكرت د. العوضي كيف أنها ومنذ أيام المراهقة وحتى اليوم تسمع أغاني فيروز، «الحاضرة دائما في المناسبات العاطفية والأزمات»، معربة عن حبها للبنان وشعبه المميز، الواعي، المثقف والمحب للحياة، «وهذه صفة أعشقها في اللبنانيين، فهم لم يستسلموا للأوضاع السيئة.
إنه بلد في غاية الروعة والجمال، قضيت فيه طفولتي وذكرياتي، وآمل أن تتحسن الأمور وأن يعود كما السابق».
وفي الختام، أبدت السقاف تقديرها وامتنانها للدكتورة العوضي، التي خصصت أكاديمية لابا، والمشاركين في برنامج الجوهر، بمقابلة استثنائية بعد عشرة أعوام على تاريخ آخر مقابلة لها، وشكرت زافين وفريق العمل على جهودهم المتواصلة، وأشادت بالمتدربين الذين تميزوا بأسئلتهم وأدائهم وإعدادهم الرائع.
يذكر أن «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، ويُنفذ في موسمه الثالث برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون، ويقدم البرنامج للشباب العربي ورش عملٍ إعلامية مكثفة على يد أبرز الإعلاميين العرب، لتدريبهم على فنون ومهارات الحوار الإعلامي، لمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة في شتى المجالات بالوطن العربي.
ورأت د. العوضي أن «العمل السياسي ليس المجال الوحيد لتعزيز مكانة المرأة، إذ إن إصلاح التعليم يشكل أساسا لإصلاح الدولة وبناء الإنسان»، كاشفة أنها قد تعاود نشاطها السياسي في حال تغيرت الظروف، ووُجدت التشريعات التنظيمية التي تتيح القيام بدور فاعل، «لكنني على الأقل كنت النموذج الذي أحلم أن أراه اليوم في البرلمان».
وأعربت عن أسفها لما تمثله الساحة السياسية في البلاد من ساحة حرب، يتم فيها تراشق الاتهامات وخرق القواعد الأخلاقية، وحملت السلطة مسؤولية قيادة التغيير، من خلال طرحها برنامج وطني يتبناه الجميع، ويكون قابلا للتطبيق، فالمسؤولية مشتركة لجهة عدم إيجاد مخارج للحلول، والمواطن كذلك يتحمل المسؤولية.
تدريب مكثف
وكانت د. العوضي حلت ضيفة أكاديمية لوياك للفنون –«لابا»، في حلقة حوارية جديدة من حوارات برنامج الجوهر للتدريب الإعلامي، والتي خضع خلالها شباب وشابات شغوفون بمجال الإعلام من الكويت ولبنان، لجلسات تدريبية مكثفة على مدى خمسة أيام، تحت إشراف الإعلامي القدير زافين قيومجيان. بداية، رحب قيومجيان بالنائبة السابقة، وأشاد بسلسلة الحلقات الحوارية التي تستضيف كوكبة من كبار الشخصيات العربية المؤثرة، مبينا أن الورش التدريبية تمحورت حول أساسيات الحوار وكيفية صياغة الأسئلة والمحاور وإتقان الحوار الشيق والمسؤول.
وأشار إلى أن المشاركين أظهروا شغفا وجدية كبيرة، متوجها بالشكر إلى رئيسة مجلس إدارة «لابا» فارعة السقاف على مجهودها الكبير لإقامة هذا النوع من الورش، وكذلك فريق عمل الأكاديمية على تفانيه.
واستهلت الحلقة بتقرير مصور من إعداد المشاركين، اختزل مسيرة د. العوضي البرلمانية والسياسية والأكاديمية، ونضالها في سبيل حقوق المرأة والمساواة والعدالة الاجتماعية، سواء كأستاذة جامعية أو كنائبة في مجلس الأمة، مبينا كيف دخلت د. أسيل تاريخ الكويت، كأول امرأة تدخل السباق الانتخابي لمجلس الأمة، والتي نجحت في المحاولة الثانية، فكانت ضمن أربع سيدات يدخلن البرلمان للمرة الأولى.
المعترك السياسي
وتحت عنوان «المرأة في العمل السياسي»، انطلق المحور الأول مع المشاركة حوراء الإبراهيم، طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، حيث أعربت د. أسيل عن امتنانها واعتزازها بالمشاركة في حلقات «الجوهر»، ورأت أن «دخول المرأة المعترك السياسي يعتبر تصحيح مسار وليس ترفا، فالمرأة كانت مستبعدة عن المشاركة السياسية منذ خمسين عاما، رغم أنها تشكل نصف المجتمع، لذلك ومع تجربتنا البرلمانية عام 2009، سجل التاريخ تصحيحا للمسار، عبر دخول المرأة وتثبيت صوتها داخل مجلس الأمة». وأضافت: «أما دخولي المعترك السياسي وقرار خوض الانتخابات، فلم يكن مخططا له، حيث إنني كنت ناشطة سياسية منذ المرحلة الثانوية، وكنت أهتم بالشأن السياسي وحقوق المرأة ومفاهيم العدالة الاجتماعية، وعندما حل المجلس عام 2008 كنت عضوة في التحالف الوطني الديموقراطي فعرضوا علي تمثيل التحالف في الانتخابات، وكنت المرأة الوحيدة التي نافست على الفوز، الأمر الذي دفعني بعد حل المجلس إلى خوض التجربة، كونه كان واضحا، بناء على النتائج السابقة، أن مقعدي كان محجوزا».
مجال غير منظم
وحول كيفية تعزيز الدور السياسي للمرأة، اعتبرت ضيفة «الجوهر» أن العمل السياسي ليس المجال الوحيد الذي يستطيع المرء من خلاله أن يعزز مكانة المرأة، حيث إن تأثير العمل الإنساني والتعليمي أقوى بكثير، مشيرة إلى أن «التعاطي بالشأن السياسي في مجتمعنا جرعته أقوى من المجتمعات الخليجية أو العربية».
ولفتت إلى أن الصوت بالشأن السياسي ربما أعلى، لكن التأثير محدود، حيث إن العائق الأهم أمام المرأة في المجال السياسي بالكويت أو الدول العربية يكمن في الثقافة الذكورية، فالمرأة دائما ضحية هذه الثقافة التي تعتبر السياسة منوطة بالرجل، وحتى هناك نساء يتبنين هذه الثقافة، وهناك عوائق أخرى حيث إن المجال السياسي ذاته غير منظم، لا جمعيات سياسية ولا أحزاب، وهناك من يتحسس من كلمة أحزاب. وشددت على «ضرورة أن تصوت المرأة للمرشح الذي يمثلها ويمثل توجهاتها السياسية والفكرية، سواء كان رجلا أو امرأة، فلنصوت للأكفأ، والجدير ذكره أن المرأة الكويتية وصلت بكفاءتها ومجهودها الشخصي إلى البرلمان، من دون دعم جمعيات أو جماعات سياسية أو أحزاب، فما من أحزاب أو تجمعات سياسية في الكويت، وهذا مؤسف، إذ إننا نرغب في رؤية أكثر من نائبتين، خصوصا أن العديد من النساء والشابات يملكن إمكانيات وتطلعات سياسية، لكن تنقصهن عوامل عديدة كالدعم المادي والتدريب وتعزيز الثقة بينهن وبين المجتمع، أضف إلى ذلك غياب أي قنوات للنساء لصقل مهاراتهن السياسية ومساندتهن لخوض الشأن السياسي، كما أن عملنا السياسي يدار بشكل أكبر في الدواوين، والمرأة خارج هذا السياق».
ساحة حرب
وفي المحور الثاني، استعرضت المشاركة زينة نصرالله، خريجة الإعلام والباحثة في مجال الإعلام بالكويت، تجربة العوضي في البرلمان وخارجه، بعد 24 عاما من العمل السياسي، سائلة: «غبتِ عن المشهد السياسي بكل تقلباته واكتفيتِ بدور الناقدة، فكيف تقيمين تجربتك البرلمانية؟».
وتركت د. العوضي تقييم تجربتها للناس، قائلة: «على الأقل كنتُ النموذج الذي أحلم أن أراه في البرلمان اليوم، فخلال تلك الفترة القصيرة قدمتُ الكثير من المقترحات ومشاريع القوانين التي لم تكن مألوفة حينها أو لم تكن تلقى الصدى عند باقي النواب، ورغم امتلاك كل نائب أجندة مختلفة تجعل العمل الفردي غير مجدٍ لكنني راضية عما قدمته ضمن نطاق المعطيات والظروف السياسية وعدم الاستقرار آنذاك». وذكرت بالمكاسب التي قدمها برلمان عام 2009، قائلة: «حاولنا تعديل مجموعة من القوانين، بينها قانون العمل في القطاع الأهلي، والرعاية السكنية للمرأة ولأبناء الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وغيرها من القوانين، بهدف إعطاء المرأة حقوقا متساوية مع الرجل، لكن قانون الأحوال الشخصية كان الأصعب لناحية التعديلات».
وحول اعتزالها العمل السياسي مرحليا، ذكرت: «لا أتقن فن التراشق ولا أستهويه، فالساحة السياسية كانت وما زالت كأنها ساحة حرب، وفي الحرب كل شيء مباح من خرق القواعد الأخلاقية والقذف والاتهامات من غير أدلة وتشويه السمعة، لاسيما في ظل غياب الجماعات السياسية وحرية الرأي وثقافة الاختلاف، فالاستبداد سيد الموقف، وهو ليس نابعا من السلطة إنما من الرأي العام للأسف، أو مَن يعتقدون أنهم الأغلبية، وثقافة الاستبداد لا تصلح لارتقاء المجتمعات، لذلك غيابي ليس طلاقا دائما، إنما انفصال مرحلي، لأنني أعتقد أن وجودي في هذه المرحلة غير مجد والإنجاز صعب، فمتى تغيرت الظروف ووجدت التشريعات التنظيمية وشعرت بدور فاعل، سأعود».
لست متفائلة بمستقبل أفضل
وفي إجابتها عن سؤال الأستاذ زافين، حول تفكيرها في تأسيس أول حزب تقوده امرأة بالكويت، قالت د. العوضي: «لا نملك قانونا لتنظيم العمل السياسي كي أؤسس حزبا، لكن في حال أُقر هكذا قانون، لا شيء يمنع، خصوصا أن قانون إنشاء الأحزاب السياسية كان من أوائل القوانين التي قدمتها، لكنه لم يخرج من أدراج اللجنة التشريعية. ولا وجود حتى لقانون تعارض المصالح ولا لقانون يضمن الشفافية في التعاملات المالية للنواب».
وعن رأيها في البرلمان، أوضحت أن «مخرجاته تحاكي الواقع الحالي، ولست متفائلة بمستقبل أفضل، ربما نشهد إنجازا، لكنني لا أعتقد أننا سننتقل لمرحلة أفضل من الحلقة المفرغة، علما أن التشاؤم غير موجود في قاموسي، لكنني واقعية، فنحن نبحث عن الحلول لمشاكلنا في الاتجاهات الخاطئة، والوضع العام يتطلب تنمية عقل الإنسان وثقافته وتعليمه وتعزيز قيمه الأخلاقية وقدرته على اتخاذ القرارات والأحكام، عوض التركيز فقط على بناء المؤسسات».
وعما إذا كان اختيارها كملحقة ثقافية في سفارة البلاد بالولايات المتحدة يعد تكريما أم إقصاء لها، بينت أن «قصة الملحقية جاءت مصادفة، وكانت تجربة مختلفة مليئة بالتحديات، حيث تعاملت مع فئة عمرية صغيرة ومغتربة، فالمسؤولية كانت أعظم وأكبر، لرعايتهم والوقوف بجانبهم»، معربة عن اعتزازها بأداء الطالبات الكويتيات في الغربة، وقدرة معظمهن على التحصيل العلمي وإدارة شؤون حياتهن والثبات والمثابرة والتخطيط، وقد أثبتن أنهن أكثر قدرة على تحمل المسؤولية من بعض الطلاب الشباب.
إصلاح التعليم أساس لإصلاح الدولة
وفي المحور الثالث، تطرقت المشاركة نور البابا، طالبة الإعلام في الجامعة اللبنانية الأميركية، إلى نشأة د. العوضي وحياتها الشخصية، حيث قالت البرلمانية السابقة: «نشأت في أسرة محافظة، فتعرضت للتمييز وحرمت من متابعة دراستي الجامعية في الولايات المتحدة، تحت هاجس الخوف، وربما هذا التمييز أثر على اهتماماتي بمفاهيم العدالة الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة».
وأضافت أنها لم تندم أبدا على انتقالها من تخصص الهندسة إلى الفلسفة، قائلة: «أنا قارئة للفلسفة منذ مرحلة الثانوية، أحببت المادة بشغف واستمتاع عكس الرياضيات، كما كنت في طفولتي متعددة المواهب، من قراءة الكتب والروايات والشعر إلى الموسيقى والرسم والرقص والفنون التي تهذب إنسانية الإنسان منذ عمر صغيرٍ»، معتبرة أن «الأحلام لا حدود لها، وأنا أحلم بمعاملة المرأة كشريك للرجل وبتعليم أفضل لأبنائنا، لأن إصلاح التعليم أساس لإصلاح الدولة والمجال السياسي، وبالتعليم نبني الإنسان».
من جهتها، تطرقت المشاركة جنى العتيقي، طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، إلى شغف د. العوضي بالتدريس، حيث أعربت ضيفة «الجوهر»، في المحور الرابع، عن عشقها للتعلم والتعليم، فقاعة التدريس بنظري مساحة للمتعة والتفاعل والتحدي، من خلال تنمية مهارات التفكير النقدي وتحفيز الطلاب على التساؤل لإعادة النظر بقناعاتهم واتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام، مضيفة أن «نظامنا التعليمي ما زال بعيدا عن تأهيل هذا الجيل للتعامل مع العصر الحالي».
آن الأوان لمكافحة الثقافة الذكورية
وخصص المحور الخامس حول تعامل د. العوضي مع قوانين الأحوال الشخصية، بحيث طرحت المشاركة منال كلسينا، طالبة الصحافة والإعلام في جامعة العزم اللبنانية، سؤالا عن حق المرأة الكويتية المتزوجة من أجنبي في إعطاء الجنسية لأولادها، ولفتت الناشطة النسوية إلى أنها مع معاملة المواطن والمواطنة على حد سواء، وتمكينها من منح جنسيتها، فالرجل يتزوج أكثر من زوجة غير كويتية ويمنحهن الجنسية، ورأت أن قانون الولاية على الأبناء نتاج ثقافة ذكورية آن الأوان لمكافحتها، فقد يكون الشخص غير مؤهل، لذلك لا يمكن إعطاء الولاية على أساس الجنس، وهناك تفسيرات دينية تم تشويهها لتخدم الثقافة الذكورية.
وتحت عنوان «النسوية بين جيلين أو أجيالٍ عديدة»، سألت المشاركة زينة زكارنه طالبة الإعلام في الجامعة الأميركية بالكويت، ضيفة «الجوهر» عن نظرتها تجاه الحركة النسوية، فأجابت ضمن المحور السادس، قائلة إن مفهوم الحركة النسوية يختلف عليه كثيرون ويثير حفيظة البعض، لاعتقاده أنها دعوة للتحرر غير المقبول في مجتمع محافظ، لكن الحركة النسوية هي أي توجه يؤمن بحقوق المرأة المساوية للرجل، وينتصر لحق المرأة في المواطنة وغيرها من الحقوق.
وتحدثت عن التعليم «كأهم استثمار للأهل في أبنائهم وبناتهم، فالفرص لا تُعوض والابنة كما الابن لها الحق في استكمال تحصيلها العلمي بالخارج، نظرا لما يمثل ذلك من تجربة مفيدة، ليس فقط لاكتساب العلم، إنما لصقل الشخصية ومواجهة المشاكل والتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرارات، فالطموح لا حدود له، والدراسة في الجامعات الغربية خطوة مستحقة، لكن التحديات الحقيقية في حياة المرأة تبدأ بعد الشهادة، وأتمنى أن تستثمر الطالبات تجربتهن في الدول الغربية، سواء لناحية إتقان عوامل تقدم تلك المجتمعات أو اكتساب ثقافتها وأساليبها في التعليم».
القضية الفلسطينية محورية
أما المحور السابع الأخير، تحت عنوان «اقتباسات واختتام»، فتطرق خلاله المشارك عبدالحميد اسماعيل، طالب الإعلام والصحافة في جامعة العزم اللبنانية، إلى القضية الفلسطينية، وأفادت الناشطة السياسية بأن موقفها من تلك القضية لا يختلف عن الموقف الرسمي للدولة، «فنحن ندعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وندين الاحتلال الغاشم، ونتمنى الوصول إلى حل عادل ينصف إخواننا في فلسطين. هذه القضية كانت وما زالت ولابد أن تبقى قضية محورية، لأنها لم تحسم وما زالت ملفا مفتوحا، وموقف الدولة والبرلمان فاعل في هذه القضية، ودائما تكون محورا، حتى في اللقاءات الخارجية، وهذا مدعاة فخرٍ لنا».
وعن علاقتها بلبنان وعشقها للفنانة القديرة فيروز، استذكرت د. العوضي كيف أنها ومنذ أيام المراهقة وحتى اليوم تسمع أغاني فيروز، «الحاضرة دائما في المناسبات العاطفية والأزمات»، معربة عن حبها للبنان وشعبه المميز، الواعي، المثقف والمحب للحياة، «وهذه صفة أعشقها في اللبنانيين، فهم لم يستسلموا للأوضاع السيئة.
إنه بلد في غاية الروعة والجمال، قضيت فيه طفولتي وذكرياتي، وآمل أن تتحسن الأمور وأن يعود كما السابق».
وفي الختام، أبدت السقاف تقديرها وامتنانها للدكتورة العوضي، التي خصصت أكاديمية لابا، والمشاركين في برنامج الجوهر، بمقابلة استثنائية بعد عشرة أعوام على تاريخ آخر مقابلة لها، وشكرت زافين وفريق العمل على جهودهم المتواصلة، وأشادت بالمتدربين الذين تميزوا بأسئلتهم وأدائهم وإعدادهم الرائع.
يذكر أن «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، ويُنفذ في موسمه الثالث برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون، ويقدم البرنامج للشباب العربي ورش عملٍ إعلامية مكثفة على يد أبرز الإعلاميين العرب، لتدريبهم على فنون ومهارات الحوار الإعلامي، لمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة في شتى المجالات بالوطن العربي.